الثلاثاء، يناير ٠٦، ٢٠٠٩

لماذا التفكير الابتكاري.. الآن ؟

كيف نمارس التفكير الناقد ؟

بعد أن استعرضنا معنى التفكير الناقد، ننتقل إلى السؤال الأهم : كيف يمكن أن نمارس التفكـير الناقد ؟، و ما هي مكوّناته الأساسية . يقول ستيفن بروكفيلد بوجود أربعة مكوّنات أساسية، هي :

الأول : التعرّف على الافتراضات و تحدّيها .
محاولة التعرّف على الافتراضات التي تقوم عليها أفكارنا و معتقداتنا و قيمنا و أسس عملنا، و التي نأخذها مأخذ القضيّة المسلّمة، يكون ضروريّا للغاية في عملية التفكير الناقد . و بمجرّد أن يحدّد ممارس التفكير الناقد هذه الافتراضات، التي قد يعتبرها بديهية، يكون عليه أن يمتحن مدى مصداقيّتها و فعاليّتـها في الزمن الحاضر و الظروف الراهنة، سواء كانت هذه الأفكار البديهيّة تتّصل بطريقته في تنظيم عمله، أو بتوجّهاته السياسية، أو بالأسس التي تقوم عليها علاقاته الحميمة مع الآخرين . كما إنّه يتساءل حول مصداقية الرؤى التي تتدفّق عليه من وسائل الإعلام .
ممارس التفكير الناقد، يكون مستعدّا للتخلّي عن الافتراضات القديمة، إذا ما اكتشف أنّها غير مناسبة للواقع الحالي الذي يعيشه . افتراضات من نمط، " العاملون موجودون هنا لكي يعملوا فقط، و ليس لكي يفكّروا .."، أو "القرارات التي يتّخذها الرؤساء و الآباء، تكون معصومة من الخطأ، لا تجوز مناقشتها" .
بعد هذا، يكون علينا أن نبحث عن افتراضات جديدة، تكون مناسبة أكثر لخبراتنا الفعلية المعاصرة .

الثاني : أهمّية تحدّي السياق .
ممارس التفكير الناقد يكون واعيا بأن الممارسات و التصرّفات و الهياكل لا يمكن إلاّ أن تخـرج من سياق معيّن . ما ننظر إليه باعتباره الطريقة المناسبة، في تنظيم العمل، أو في سلوكنا تجاه الزملاء، أو في نشاطنا السياسي، أو فيما نأخذه كقضايا مسلّمة ممّا تطرحه وسائل الإعلام، هو في حقيـقة الأمر انعكاس للثقافة و العصر الذي عشناه . عندما يدرك المفكّر الناقد هذه الحقيقة، يصبح واعيا بالسياق الذي يخـرج منه كلّ شيء .

الثالث : تصوّر و استكشاف البدائل .
من الأمور المحورية في التفكير الناقد، القدرة على تخيّل واستكشاف بدائل طرقنا الحالية في التفكير والحياة .
بعد أن يدرك ممارس التفكير الناقد أن العديد من الأفكار و النظريات التي يأخذ بها، تنبع من افتراضات قد لا تكون منسجمة مع متطلّبات حياته المعاصرة، يعمد بصفة مستمرّة إلى استكشاف طرق جديدة للتفكير في مظاهر حياته .
و عليه أن يكون واعيا بمدى تأثير السياق على تشكيل كلّ ما يعتبره عاديّا و طبيعيّا، من طرق العيش و التفكير . فيكتشف وجود سياقات أخرى يعتبرها الآخرون عادية، رغم أنها تختلف نهائيا عن السياق الذي يأخذ به . هذه السياقات الأخرى، علينا أن نفحصها بتمعّن، للتعرّف على الافتراضات التي تقوم عليها، فقد يفيدنا تبنّيها، و الاستفادة بها في تطوير حياتنا .

الرابع : التشكّك التأمّــلي .
عندما نتحقّق من وجود بدائل لما هو ثابت في عقائدنا و سلوكيّاتنا المعتادة، و ما ارتضيناه من هياكل حياتنا الاجتماعية، نصبح أكثر تشكّكا في دعاوى الحقيقة المطلقة أو النهـائية، أو دعاوى التفسير النهائي الشامل لأي أمر .
و هذا ينقلنا إلى ما يمكن أن نطلق عليه " التأمّل التشـكّكي"، أو "التشـكّك التأمّلي" . الذين يعتمدون التشكّك في تأمّلاتهم، لا يأخذون الأمور على عـلاّتها، و هم يؤمنون بأن مجرّد الأخذ بالممارسة أو البنية لزمن طويل، فذلك لا يعني أن هذه الممارسة أو البنية صالحة لجميع الأزمـان، أو حتّى الزمن الراهن . كما أن مجرّد قبول الفكرة من الجميع، لا يعني أن نصـدّقها، و نأخـذ بها، و نعتبرها حقيقيـة، دون أن نراجعها أوّلا، و نتأكّد من صلتها بالواقع الذي نتعامل معه، و عدم تناقضها معه .
لمجرّد أن يقول الأب أو المدير أو رئيس الوزراء، أن شيئا ما هو الصحيح أو المفيد، فهذا لا يعني أنّه صحيح و مفيد فعلا .
ممارس التفكير الناقد يتشكّك فورا في قول أولئك الذين يزعمون أن لديهم الإجابات الشافية على كلّ شيء في الحياة . يتشكّك في خبير الإدارة الذي يقول له " إذا ما اشتريت برامجي للتدريب، و اتّبعت الخطوات الواردة بها في تطوير عملك، فستتضاعف أرباحك في ربع السنة القادم " . أو في خبير التربية الذي يزعم أن لديه منهجا أو نموذجا للتعليم، يناسب جميع المتعلّمين في مختلف التخصّصات .

إيقاظ الحسّ الناقد

يحاول ستيفن بروكفيلد أن يقدّم المزيد من التوضيح في مضمون التفكير الناقد، فيقول أن إرغام الناس على ممارسة التفكير الناقد لا يخدم سوى إثارة مخاوفهم، و ربما دفعهم إلى مقاومته .
المطلوب، هو أن نحاول إيقاظ الحسّ الناقد، و التشجيع على تبنّي التفكير الناقد، دون السعي لفرض إرادة غريبة عند الآخرين .
و مضمون التفكير الناقد، يختلف من مفكّر لآخر، و يورد بروكفيلد ـ بشكل مكثّف ـ جانبا من تصوّرات المفكّرين حول التفكير الناقد، و التي تتنوّع وفقا لتباين طرق التفكير . "هاليت" يقرن التفكير الناقد بتنمية قدرات التفكير المنطقي، و "كيتشنر" يقرنه بتطبيق الحكم التأمّلي، بينما يركّز "سيريفان" على اصطياد الافتراضات و رصدها . أمّا "هالفيش" فيربط بين التفكير الناقد و الابتكار في استخدام واختيار المعنى .
و قد أورد "آنيس" قائمة تضم 12 مظهرا للتفكير الناقد، و من بين ما تضمّنته هذه القائمة : القدرات التحليلية، و إجراء الحوار، و التعرّف على الإلتباسات في عملية التفكير، و تحديد التناقضات في الجدل، و التحقّق من المعقولية التجريبية للإستخلاصات العامّة . و قد حدّد "دي أنجلو" عشرة توجّهات يعتبرها شروطا لازمة لكي يصبح الإنسان صاحب تفكير ناقد، من بينها الفضول و المرونة و التشكّك والأمانة .
و في مجال التعليم، يبرز جهد "هابرماس" في تمييز التعليم التحرّري كعنصر ثالث يضاف إلى التعليم التقني و تعليم الاتّصال . و عن التعليم التحرّري، يقول"آبس" أنّه ذلك التعليم الذي يحرّر الإنسان من القوى الشخصية أو المؤسسية أو البيئـية، التي تمنع رؤية الجديـد، و تتيح للمتعـلّم أن يتحـكّم فـي حياته وفي مجتمعه و عالمه .

و إلى الرسالة التالية، لنستعرض المزيد من خصائص التفكير الناقد .

هناك تعليق واحد:

أحمد الضبع يقول...

الأستاذ الكبير راجى عنايت ... السلام عليكم ... تعرفت على مدونتك منذ أكثر من سنتين ... واستفدت منها بحق فى تأليف كتابى " صناعة الأفكار المبتكرة " وكانت نعم المعين ..... أشكرك من كل قلبى على مجهوداتك الرائعة فى خدمة التفكير الإبتكارى الذى هو ملاذ مجتمعنا فى الوقت الراهن .... وأشكر لك قبولك لصفحتى من خلال موقع الفيسبوك وادراجك لجميع الروابط المفيدة بها والتى سهلت لى فرصة التعرف على المزيد والمزيد من مقالاتك المنعشة لوجدانى وفكرى . تقبل تحياااااتى
أحمد الضبع
WWW.FOKKERA.COM