الجمعة، ديسمبر ٠٥، ٢٠٠٨

لماذا التفكير الابتكاري.. الآن ؟

التفكيـر الناقــد

من أفضل الكتب في هذا المجال، كتاب "تطوير ممارسة التفكير الناقد "، لمؤلّفه ستيفن بروكفيلد الأستاذ بجامعة كولومبيا، بالولايات المتّحدة الأمريكية .
يقول بروكفيلد أنه من الممكن التعرّف على التفكير الناقد في سياق علاقاتنا البشرية، و نشاطنا العملي، واهتماماتنا السياسية . و التفكير الناقد، يقتضي ما هو أكثر من مهارات التحليل المنطقي، الذي يجري تدريسه ضمن العديد مناهج الكلّيات الجامعية . فهو يتضمّن التساؤل حول الافتراضات التي تستند إليها طرقنا المعتادة في التفكير و التصرّف، ثم يتضمّن الاستعداد للتفكير و التصرّف بشكل مختلف، على أساس ذلك التساؤل الناقد . فما هي المكوّنات الأساسية للتفكير الناقد ؟، و ما هي سبل التعرّف على هذه المكوّنات في سلوك البشر ؟ .
يقول بروكفيلد " أن تكون مفكّرا ناقدا، فذلك جانب من كونك شخصا متطوّرا . هذا بالإضافة إلى أن تنمية التفكير الناقد و العمل على إشاعته، يعتبر أمرا حيويا في تسييد الديموقراطية الصحيحة و دعمها . وبغير التفكير الناقد تضمر علاقاتنا البشرية، و يبقى مجال عملنا على نفس الوضع الذي كان عليه منذ عشرين سنة مضت، و تتضاءل مساهمتنا السياسية إلى حدّ عدم المشاركة .

معنى التفكير الناقد

يورد بروكفيلد النقاط الخمس التالية حول معنى التفكير الناقد :
أولا : التفكير الناقد، نشاط مثمر و إيجابي .
ممارسو التفكير الناقد يكون ارتباطهم بالحياة نشيطا . و في مجال عملهم، يعتبرون أن من بين مهامهم الإبداع، ثم إعادة الإبداع . إنّهم يقدّرون الابتكار، و هم أنفسهم مبتكرون، يسودهم الإحساس بأن الحياة حافلة بالإمكانات .
و هم ينظرون إلى المستقبل كمجال مفتوح و طيّع، و ليس كطريق جامد و مسدود . و هم يتمتّعون بثقة ذاتية فيما يتّصل بقدرتهم على تغيير عوالمهم، كأفراد و من خلال العمل الجماعي .
البعض بنظر إلى ممارس التفكير الناقد باعتباره شخصا لاذعا، مدينا لجهد الآخرين، دون أن يقدّم لهم يد العون . أصحاب هذا الموقف يرون أن التفكير الناقد يجعل من صاحبه شخصا غير اجتماعي ، غير أن الواقع الفعلي يجيء على عكس هذا تماما . فأنت عندما تفكّر بشكل ناقد، تصبح واعيا بتنوّع و تمايز القيم والسلوكيات، و الهياكل الاجتماعية، و الأشكال الفنية، في حياتنا .
إذا ما تكامل لديك إدراك هذا التنوّع، من الطبيعي أن تتّصف بقدر من التواضع في انتمائك إلى قيمك وسلوكياتك و هياكلك الاجتماعية . التفكير الناقد يكسبنا إدراكا واعيا بأن هناك من يكون لديهم نفس الإحساس بالثقة و الاقتناع، و لكن تجاه قيم و سلوكيات، يمكن أن تكون مناقضة تماما لما لدينا .
ثانيا : التفكير الناقد، عملية و ليس نتيجة .
أن تكون مفكرا ناقدا، يعني أن تتساءل بشكل متواصل حول الافتراضات المستقرّة . فأوضاع البشر لا تصل أبدا إلى الكمال، الذي لا يستوجب التطوير القائم على النقد . إذا ما شعرنا يوما ما أنّنا وصلنا إلى مرحلة التطوّر الكامل، نكون قد تناقضنا مع جوهر التفكير الناقد، باعتبار أن من بين أسسه التشكّك في أي دعوى بالوصول إلى الحقيقة الشاملة، التي يمكن أن نطبّقها على أي شيء .
ثالثا :مظاهر التفكير الناقد تتباين وفقا للسياقات التي يتحقّق فيها .
المؤشّرات التي تساعدنا على معرفة ما إذا كان الشخص يمارس التفكير الناقد أم لا، تتباين بشكل لا نهاية له . بعض الناس يكون ذلك النشاط عندهم أقرب إلى النشاط الداخلي لأبعد حدّ، فلا تظهر على السطح سوى بعض المعالم المحدودة، على شكل تغيّرات في حياتهم، في أحاديثهم أو في كتاباتهم . والبعض الآخر، تنعكس ممارسة التفكير الناقد على حياتهم بشكل مباشر واضح .
رابعا : محرّكات التفكير الناقد تكون إيجابية أو سلبية .
من بين الأفكار الشائعة حول التفكير الناقد، ما يفيد أن هذا النشاط يتحقّق عندما يمر الشخص بمآسي أو كوارث في حياته . و أن الأحداث السلبية هي التي تدفع الناس إلى التساؤل حول افتراضاتهم السابقة، التي وثقوا بها .
لكن من الثابت أيضا، إمكان أن تثيره الأحداث السعيدة المبهجة غير العادية، كالوقوع في حب كبير، أو تحقيق نجاح غير متوقّع في عمل ما، أو اكتشاف منبع للإمكانات لم نكن منتبهين له .
خامسا : التفكير الناقد، عاطفي كما هو عقلاني .
ينظر البعض إلى التفكير الناقد باعتباره نوعا من النشاط المعرفي المنطقي الخالص، الذي يسمو على تأثيرات المشاعر و العواطف و الأحاسيس . و حقيقة الأمر، أن العواطف تكون ذات وضع محوري في عملية التفكير الناقد . فعند ممارستنا للتفكير الناقد، و تشجيعنا الآخرين على أن يفعلوا نفس الشيء، لا يمكننا أن نتجاهل المشاعر في هذا النشاط .
طرح أسئلة ناقدة حول قيمنا و أفكارنا و أنماط سلوكنا التي التزمنا بها، يثير لدينا القلق . و من الطبيعي أن نخاف عواقب مثل هذه التساؤلات، أو من قبولنا أي بدائل لسبلنا الحالية في التفكير .
الثابت، أن المقاومة و الارتباك و الاحتجاج أمور واردة في مراحل التفكير الناقد . لكنّنا نشعر أيضا بالسعادة و التحرر و الراحة و الإثارة، عندما ننجح في الوصول إلى طرق جديدة في النظر، إلى أنفسنا وعملنا و عالمنا . عندما نهجر الافتراضات التي تعوق تطوّرنا، يسودنا شعور بالتحرّر . و عندما نكتشف أن لدينا القدرة على تغيير مظاهر من حياتنا، تملأنا الإثارة و الحماس .

و إلى الرسالة التالية، لنرى كيف يمكن لنا أن نمارس التفكير الناقد

ليست هناك تعليقات: