السبت، أغسطس ٠٢، ٢٠٠٨

الابتكار .. في مجتمع المعلومات


لماذا التفكير الابتكاري .. الآن ؟

التفكير الابتكاري و المستقبل

إذا كانت مواجهة المستقبل هي محور حديثنا، يفيدنا أن نتعرّف على الدور الذي يلعبه التفكير الابتكاري في سعينا لاقتحام مجاهل المستقبل .
دكتور إدوارد دي بونو، أحد رواد التفكير الابتكاري، يقول في كتابه " الابتكار الجادّ "، أن اعتبارات المستقبل تتطلّب دائما التفكير . و نحن غالبا ما لا تكون لدينا المعلومات الكافية عن المستقبل، مع اضطرارنا للتصرّف و اتّخاذ القرار، الأمر الذي تكون له تبعاته و نتائجه في المستقبل .
هنا، تظهر أهمّية التفكير الابتكاري، الذي يتيح لنا أن نتبيّن عواقب تصرفنا أو قرارنا، كما ييسّر لنا أن ندخل في اعتبارنا النتائج الأبعد .
كما أن الابتكار يكون مطلوبا عند طرح المستقبل المحتمل، الذي يكون علينا أن نعمل على تحقيقه, كما نحتاج إلى الابتكار عند رصدنا لاتّجاهات التغيير الأساسية، التي لا يمكن الوصول إليها بمجرّد حصر التغيّرات الحالية .
وضع الاستراتيجيات، و مواجهة الظروف غير المتوقّعة أو النمطية، و التصدّي لأوضاع التخلّف، كلّ ذلك يعتبر جانبا من مسئوليات التفكير الابتكاري . المعلومات و المنطق يرسمان الإطار، أمّا التصميم الابتكاري فهو الذي يكشف عن الاحتمالات . ثم يأتي دور المعلومات و المنطق ـ مرّة أخرى ـ في تحديد الإمكانات . و في غياب صورة محدّدة للمستقبل، يكون علينا أن نستعد للتعامل مع المستقبلات الممكنة أو المحتملة .

الاستراتيجية و الابتكار

على أساس الخبرة العملية، غالبا ما ننظر إلى الاستراتيجية باعتبارها مجرّد عملية اختزال لعدد من الإمكانات، من أجل استنباط طرق للتعامل مع الاحتمالات المختلفة . هنا، تظهر الحاجة الأكبر للاعتماد على الابتكار، للوصول إلى أبعد الاحتمالات . و التجربة العملية تفيد أن التوجّهات و التصرّفات و السبل التي يرفضها العارفون و الخبراء، يمكن أن تتحوّل ـ بعد تطويرها من خلال التفكـير الابتكاري ـ إلى استراتيجيات أفضل .
و لا يجب أن يكون التفكير الابتكاري حدثا عارضا أو مؤقّتا، ذلك لأن فائدته تظهر واضحة إذا ما كان ممارسة مستمرّة متواصلة، كجانب من التفكير في المستقبل . و ممارسة الابتكار تعتبر حافزا قويّا، لأنّها تجعل الأفراد أكثر اهتماما بما يقومون به . و هي تعطي الأمل في الوصول إلى أفكار قيّمة، كما أنّها تجعل الحياة أكثر متعة و إثارة للاهتمام، بالإضافة إلى أنّها توفّر إطارا للعمل مع الآخرين كفرق عمل متجانس متساند .
معركة مع العقل البشري !
ماذا يفعل المفكّر، أو الإنسان بشكل عام، عندما يفرض عليه التصدّي لواقع جذري في جدّته، كما هو حال الجميع في هذه الأيام ؟ . ماذا يفعل عندما لا يجديه الاعتماد على الخبرات و النظريات السابقة ؟ , ماذا يحدث عندما تضعنا الظروف في موقف يصعب فيه الاعتماد على السوابق، أو على خبرات الآخرين في أماكن أخرى من العالم ؟ .
ليس من سبيل أمامنا سوى العقل .
و لكن هل يساعدنا العقل فعلا في هذا التحدّي ؟ .. أغلب الظن : لا . لماذا ؟ .
لأن العقل، كما سنرى فيما يلي من حديث، هو جهاز معلوماتي ذاتي التنظيم و الترتيب . مسار العمليات الفكرية فيه يعتمد على نسق خاص، تمّ حفره في تجاويفه على أساس خبرات سابقة . و عندما نعتمد على العقل في النظر إلى الأمور المستجدّة، نعمد إلى تطبيق المنطق السابق، الذي نبع من واقع سابق على الموقف المستجدّ الذي نواجهه . و هذا هو السرّ في أن استخلاصات أكثر الناس خبرة و ذكاء هذه الأيام تأتي غير سليمة، أو على الأقل غير دقيقة، لكنّها في جميع الأحوال تجيء غير مفيدة في التعامل مع الواقع الحالي .
السؤال الذي يطرح نفسه الآن : كيف يواجه الإنسان سيطرة البرمجة السابقة لعقله، عندما يتعامل مع الواقع المستجدّ غير المسبوق ؟ .
السبيل المتاح هو الاعتماد على الابتكار و التفكير الابتكاري، و على الآليّات المختلفة العملية لممارسة الابتكار، التي سنوردها بالتفصيل فيمل يلي من حديث.

و لكن، قبل أن نتحدث عن التفكير الابتكاري و آليّاته، يحسن أن نستعرض معا محاولات المفكّرين للبحث عن مخرج من هذا المأزق الذي نتحدّث عنه . و سنختار من بين هذه المحاولات ثلاث محاولات للبحث عن سبيل جديد للتفكير :
"التفكير الواضح"، و "التفكير الناقد"، و"التفكير الاختراقي" .

ليست هناك تعليقات: