الأحد، يوليو ١٣، ٢٠٠٨

الابتكار .. في مجتمع المعلومات

لماذا التفكير الابتكاري .. الآن ؟

المـأزق العــام

على مستوى العالم كلّه، و ليس فقط في مصر أو الدول العربية أو دول العالم الثالث، يسود إحساس لدى الجميع بمواجهة مأزق جادّ، نتيجة للتغيّرات الجذرية الهائلة التي تندفع بشكل متسارع . يتّضـح ذلك المأزق، كلّما تصدينا لآثار هذه التغيّرات، و حاولنا الوصول إلى حلول باقية للمشاكل التي تخلقها، بحيث لا تتحوّل تلك الحلول إلى مشاكل أكثر جسامة في المستقبل .
هذا المأزق، لا يواجه فئة دون أخرى، و لا تظهر معالمه في مجال دون آخر .نرى شواهده في مجال الحكم و اتّخاذ القرار السياسي على مختلف المستويات، كما نراها في أوساط الاقتصاد و المال و المؤسّسات الاقتصادية و الشركات .. و أيضا نراها في المجال الاجتماعي منعكسة على الكيان التقليدي للأسرة، و على تدنّي مستويات التعليم، و على مجال الخدمة الاجتماعية .
هذا المأزق، لا يفرّق بين يمين أو يسار، تواجهه الدول الاشتراكية و الرأسمالية على حدّ سواء، وتعاني منه النظم الشمولية و الديموقراطية دون استثناء .. نرى شواهده في الشرق و الغرب و الشمال والجنوب . و النتيجة ؟، حالة من التخبّط و الشلل و السخط و التمرّد، و فقدان القدرة على اتّخاذ القرار السليم في الوقت المناسب، في الحياة الشخصيّة و العامة .
سنكتشف فيما يلي، كيف أن غياب المنهج المناسب للتفكير هو السرّ الذي وراء كلّ الحيرة و الفوضى و الفشل و اليأس . ذلك المنهج الذي يتيح لنا فهم طبيعة التغيّرات الحادثة، و العلاقات المتبادلة بينها، و من ثمّ القدرة على الوصول إلى تصوّر مستقبلي متكامل، يساعد على اتخاذ القرارات السليمة، و يحدّد لنا أولويات الحركة .
سنحاول أن نفعل ذلك كلّه . لكن، لن يكون جهدنا مفيدا، إلاّ إذا التزم القارئ في نظره إلى الأفكار المطروحة بعقل مفتوح، مستعدّ لإعادة النظر في كلّ ما طال الأخذ به، و حاول ـ بجهد إرادي ـ أن يفصل الذات عن الموضوع . ذلك لأن تقبّل الأفكار الجديدة ليس إهانة، و ليس انهزاما للذات ، الانتصار الحقيقي المطلوب هو الانتصار على الذات و على الجمود الفكري، كما أن سقوط الأفكار و العقائد التقليدية ليس جريرة أحد، و إنّما هو النتيجة الحتمية للتحوّل الشامل الذي يمرّ به الجنس البشري
حقـائق أسـاسية

قبل أن نبدأ حديثنا عن الابتكار و منهج التفكير المطلوب، قد يكون من المفيد طرح بعض الحقائق الأساسية، التي نستند إليها في تصويرنا لهذا المأزق، و سبل الخروج منه .
• الذي نحن فيه ليس مجرّد تطوّر للمجتمع الصناعي، الذي ساد لما يزيد عن قرنين من الزمان . فالمجتمع الجديد الذي نمضي إليه يقوم على أسس و مبـادئ جديـدة، تتناقض في معظمها مع الأسس و المبادئ و العقائد التي قام عليها المجتمع الصناعي .
• أقرب سابقة يمكن الاعتماد عليها في فهم الحالي، هي مرحلة التحوّل من الزراعة إلى الصناعة، وكيف نسخ زحف الصناعة أسس الحياة الزراعية .
• كان اختراع الآلـة البخـارية هو رأس الحربـة في قيام المجتمع الصناعي . لقد قاد إلى الإنتـاج والاستهلاك على نطاق واسع، ممّا قاد بدوره إلى قيام السوق بالمعنى الذي نعرفه، بكل ما اقتضاه من أسواق مال و عمالة، و تشريعات و نظم حكومية . كان التوصّل إلى التكنولوجيا الابتكارية للآلة البخارية، هو السبيل إلى إقامة المصانع ذات المداخن، و التي تطوّرت مع الوقت إلى صناعات كهروميكانيكية . ممّا يعني أن توصّل الإنسان إلى اختراق تكنولوجي ابتكاري، يكون عاملا حاسما في انتقاله من شكل حياة إلى شكل آخر . لقد كانت سيادة المجتمع الصناعي سبيلا إلى قيام أشكال جديدة في الاقتصاد و الحكم و التعليم و الإدارة و الممارسة الديموقراطية و الأسرة و الثقافة و الإعلام .
• كما كانت الآلة البخارية رأس حربة في الاقتحام الصناعي، جاء الكمبيوتر و ما يتّصل به من تكنولوجيات رقمية و تكنولوجيات اتصال متطوّرة ليصنع رأس حربة في الاقتحام المعلوماتي . و كما قامت الحياة ـ بكل تفاصيلها ـ على أساس المصانع، تقوم الحياة الجديدة على أساس التكنولوجيات المعلوماتية الابتكارية، التي تقود إلى أسس جديدة في العمل و العمالة و الإنتاج و السياسة و الاقتصاد و الإدارة و الأسرة و التعليم و الثقافة .
• المأزق الحالي، ينبع من عجزنا عن الاعتماد على الخبرات و النظريات و العقائد التي شاعت في عصر الصناعة، نتيجة لدخولنا إلى مجتمع المعلومات، و عدم توصّلنا إلى الخبرات و النظريا و العقائد البديلة، التي يفرضها المجتمع الجديد .
• الفهم الجديد الذي أصبحنا في أشدّ الحاجة إليه، يتحقّق من خلال : دراسة التغيّرات الحالية، و رصد مؤشّراتها الأساسية متنامية القوّة، للتعرّف على المنطق الذي يحكم المجتمع القادم . هذا هو الذي يتيح لنا تصوّر الرؤية المستقبلية الشاملة، التي تقود إلى التعرّف على مستقبل أي نشاط بشري في كل مجال من المجالات . عند التوصّل إلى ذلك، يمكننا أن نحدّد أولوياتنا، و نصل إلى الاختيار الأسلم في حل مشاكلنا الحالية، و إلى تصوّر أسس إعادة البناء في كل مجال من المجالات .
• في جميع الأحوال، يقتضي الأمر آليّات خاصّة في التفكير، تخرجنا من أسر قنوات التفكير التي حفرت مع الزمن على عقولنا .
• التفكير الابتكاري، هو السبيل إلى التصدّي للمستجدّات، التي لا يفيد فيها الاعتماد على الخبرات والنظريات و العقائد السابقة، و هو الذي ينهي حالة الالتباس العام لدى المفكرين و يحبسهم بين الخيارات النابعة من الأسس المجتمعية التاريخية أو التقليدية .
• المأزق الحالي، يستلزم أن تكون ممارسة التفكير الابتكاري جماهيرية عامة، غير مقتصرة على الصفوة أو النخبة من المفكّرين و صنّاع القرار . و ممّا يضاعف هذه الحاجة إلى التفكير الابتكاري، ذلك التحوّل المطّرد من العمالة اليدوية أو العضلية إلى العمالة العقلية أو المعرفية، و الذي يفرض على كلّ عامل في أي موقع أن يكون قادرا على مواجهة ما يعترض عمله من مشكلات، و التفكير في بدائل الحلول، ثم تطبيق الحلّ الأمثل .

و إلى الرسالة التالية، لنواصل تأمّل العلاقة ببين التفكير الابتكاري، و المستقبل

ليست هناك تعليقات: