الثلاثاء، يونيو ١٠، ٢٠٠٨

الابتكار .. في مجتمع المعلومات

الفكرة المبتكرة

تقييمها بعد أن تنضج

يأتي وقت تصل فيه عملية إنضاج الفكرة المبتكرة الجديدة إلى نهايتها، و تصبح مستعدّة للانطلاق إلى عالم التطبيق العملي، كي تنافس غيرها من الأفكار، و تثبت جدواها و تفوّقها . هنا، يأتي دور التقييم .
التقييم المبدئي، يمكن أن يعتبر جانبا من العملية الابتكارية، لأنه يساعد على وضع الفكرة في صورتها الأفضل . و هذا يدخل في مجال "معالجة" الفكرة . لكن بعد أن تنتهي عملية المعالجة، يكون على الفكرة أن تواجه عملية التقييم الشامل الكامل .
الذي يجب أن يكون واضحا، هو أن عملية التقييم لا تعتبر من جوانب التفكير الابتكاري، بل هي تشكّل عنصرا من عناصر التقدير و الحكم، و القدرة على اتّخاذ القرار، بالنسبة للفرد أو للمؤسّسة . والقدرة على الحكم و التقدير، نعتمد عليها جميعا في كلّ الأمور، و الأفكار الواردة من أي مصدر . ومن هنا، فإن تقييم و تقدير الأفكار الابتكارية لا يجب أن يختلف عن تقييم و تقدير أي أفكار أو أمور أخرى .
هذا هو صمام الأمن بالنسبة للأفكار الابتكارية، أيّا كانت جدّتها، أو تفرّدها و خروجها عن المألوف . و هو الذي يمنع تحوّلها إلى "كارثة" عند التطبيق . و هذا هو ـ بالتحديد ـ السبب في ضرورة أن يجيء نظام الحكم و اتّخاذ القرار في المؤسّسة، كخطوة أخيرة بالنسبة للأفكار النابعة من العملية الابتكارية .

حساب المخاطـرة

الاستثناء الوحيد لهذا الإجراء، يتم عندما تقرّر المؤسّسة تخصيص نسبة من مواردها لتطبيق أفكار ابتكارية، ترى فيها قدرا عاليا من الاحتمالات المفيدة، كما ترى فيها ـ في نفس الوقت ـ مخاطرة كبيـرة . فمعايير تقييم مشروع جديد، لا تكون نفس معايير تقييم مجرّد تغيير في برامج الإنتاج .
و مقارنة بالثواني المعدودة التي يستغرقها بدء التفكير في فكرة جديدة، تستغرق عملية التقييم وقتا طويلا . و هذا أمر منطقي، لأن عملية التقييم هي التي تحدّد مدى المخاطرة .

التصنيف النهائي للأفكار الجديدة

و لنبدأ بعملية "التصنيف النهائي" للأفكار التي نخضعها لعملية التقييم . تصنيف الأفكار المبتكرة، أو وضعها في خانات محدّدة، يعتبر مؤشّرا جيّدا لعملية التقييم . و هذه الخانات لا تكون ثابتة دائما، فمن الممكن أن تتمّ على أكثر من صورة، لنصل إلى نفس النتيجة . و التصنيف يتضمّن :

أفكار الاستخدام المباشر .
تدخل في هذه الفئة الأفكار التي حكمنا عليها بأنّها ذات قيمة، و أنّه من الممكن استخدامها مباشرة . إلاّ أن هذا لا يعني استخدامها فعلا بشكل مباشر، فقد تكون لدى مؤسّسة ما من الأفكار الصالحة للاستخدام المباشر، ممّا يتجاوز مواردها .
فكرة جيّدة، و لكنّها ليست لنا .
هنا، يتم الحكم على الفكرة و تقييمها باعتبارها فكرة قابلة للتطبيق، لكنّها لا "تناسب" الاحتياجات الحالية للمؤسّسة، أو لا تناسب موقفها الحالي . و في جميع هذه الأحوال، يجب تحديد السبب ـ بكل الوضوح ـ في عدم مناسبتها للتطبيق المباشر .
فكرة جيّدة، و لكن ليس الآن .
تضم هذه الفئة الأفكار التي يرى الجميع أنّها قابلة للتطبيق، و أنّها محقّقة للقيمة و الفائدة، لكن يسود الإحساس بأنّه من الأفضل عدم تطبيقها في الوقت الراهن، مع إمكان استدعائها مستقبلا لتوضع موضع التنفيذ . أي أن الفكرة لا تناسب الاحتياجات و الأولويات الحالية .
و أفكار هذه الفئة، تختلف عن أفكار الفئة السابقة، و التي لا تناسب المؤسّسة إطلاقا، الآن أو فيما بعـد . و أفكار هذه الفئة يتم الاحتفاظ بها، لكي يعاد تقديرها من وقت لآخر .
تحتاج إلى مزيد من الجهد .
تضمّ هذه الفئة الأفكار التي تعتريها نواقص جادّة، و تكشف عن قصور واضح، و مع ذلك ليست هناك استحالة أساسية في الأخذ بها، نتيجة لما تتضمّنه من احتمالات إيجابية .
و هذا يعني العودة إلى بذل المزيد من الجهد تجاه هذه الفكرة . ذلك الجهد المضاف، قد يكون معتمدا على التحليل و المنطق، أو على الابتكار . و من الممكن أن توكل المؤسّسة إلى مجموعة عمل خاصّة، أمر بذل المزيد من الجهد لإنضاج تلك الفكرة .
قويّة، و لكنّها غير قابلة للتطبيق .
تدخل في هذه الفئة الأفكار التي تتمتّع بقوّة كبيرة، و لكن ـ لعدّة أسباب متنوّعة ـ لا يمكن للمؤسّسة أن تستخدمها .
قد تكون من بين تلك الأسباب : النظم و القوانين المرعيّة، أو مصالح الحفاظ على البيئة، أو ارتفاع عنصر المخاطرة فيها بما يتجاوز فائدتها، أو تهديدها لبعض ما تنتجه أو تقدّمه المؤسّسة حاليا .. إلى آخر ذلك .
نحن هنا، أمام اعتراف مزدوج، بأن الفكرة قويّة، و بأنّها غير قابلة للاستخدام .
أفكار هذه الفئة توضع في ملفّ خاص بها، بحيث يعاد النظر فيها من وقت لآخر . فالظروف يمكن أن تتغيّر، ممّا يجعل الفكرة قابلة للاستخدام . كذلك تفيد مراجعة هذه الأفكار في احتمال الوصول إلى مفاهيم جديدة نستمدّها من تلك الأفكار، تمهيدا لوضعها في شكل قابل للانتفاع .
ملفتة، و لكن غير قابلة للاستخدام .
هذه الأفكار قد لا تكون قويّة، لكنها "ملفتة"، لأنّها تفتح الباب أمام احتمالات عديدة .
الأفكار الملفتة قد توحي بتغيير في مجال العمل، و بالوصول إلى مفاهيم جديدة . و قد تكون آثار مثل هذه الأفكار الملفتة على المفاهيم ذات قيمة أعلى من قيمة الاستخدام الفعلي لها .
يجب أن تحظى هذه الأفكار الملفتة باهتمامنا، و أن تكون في متناول أيدينا، للنظر فيها من وقت لآخـر . و هي ذات قيمة حافزة ابتكارية، حتّى و لو لم تستخدم نهائيا .
القيمـة الضعيـفة
بعض الأفكار تكون قابلة للتطبيق، و تكون في نفس الوقت مناسبة لظروف المؤسّسة، لكن فائدتـها و منفعتها المحتملة تكون قليلة جدّا . و من البديهي ألاّ يكون هناك أي سبب أو دافع لاستخدام مثل تلك الأفكار .
و في أحيان أخرى، يحدث إقلال من قيمة فكرة ما، فيكون على صاحبها، أو أصحابها، أن يسعوا إلى طرحها بطريقة تجعلها محقّقة لقيمة أكبر . و هناك بعض الأفكار التي تجذب الاهتمام، لأنّها تبدو جديدة تماما، لكن عندما نخضعها لعملية التقييم الكامل، قد نكتشف أن "جدّتها" هي القيمة الوحيدة فيها . هذا قد يكون كافيا في مجال الإعلان، لكنّه ليس كذلك بالنسبة لباقي المجالات .
عدم القابلية للاستخدام
هناك العديد من الأفكار التي يمكن أن نصنّفها ضمن فئة الأفكار غير القابلة للاستخدام . و هذا يعني أنّها تنطوي على استحالة أساسية . مثل تلك الأفكار لا تستحق بذل المزيد من الجهد تجاهها، و الأجدر أن نرفضها .

***

وفي الرسالة القادمة نرى كيف نتعامل مع الفكرة ..عندما تكون بين الحياة و الموت

ليست هناك تعليقات: