الثلاثاء، مايو ٢٠، ٢٠٠٨

الابتكار منفردا

الابتكار في مجالات الإنتاج الخاصّة
من حلّ المشاكل إلى التطوير
في بعض المجالات الخاصّة للفرد، يكون الاحتياج دائما و قويا إلى الأفكار الجديدة، و بالتحديد في المجالات التي تكون فيها "الأفكار" هي خامة الإنتاج . و قد يتصوّر البعض أنه قادر على الابتكار، بمجرّد الاعتماد على موهبته الطبيعية في الابتكار . و رغم أن هذا يتحقّق في أحوال نادرة، إلاّ أن الموهبة، و الممارسات الابتكارية الطبيعية، لا تتعزّز و تنتظم إلاّ بالتعلّم المنظّم للمناهج الابتكارية .
و استخدام الابتكار في المجالات الخاصّة، تدخل فيه عمليات البحث، حيث يتجاوز الأمر السعي إلى حلّ المشاكل، إلى تطوير سبل جديدة و مفاهيم جديدة للبحث . فالمعروف أن تطوير الأبحاث تحرّكه المفاهيم أكثر من التكنولوجيا .
و من المفيد في هذا المجال، الإشارة إلى أن تدريب العلماء و رجال التكنولوجيا على المهارات الابتكارية يجب أن يكون مكثّفا، نظرا لأنّهم ـ بشكل طبيعي ـ يكونون أكثر ميلا إلى التركيز على جمع البيانات و تحليلها .

تطوير الإنتاج و ضغط زمنه

عندما تتأكّد الرغبة في تطوير منتجات جديدة لإحدى الشركات، تنشأ الحاجة الشديدة إلى ابتكار المفاهيم الجديدة . و السرّ في هذا، أن المنتج الجديد لا ينجح إلاّ إذا جاء متكاملا مع القيم المركّبة للمشتري . عملية إدراك هذه القيم المركّبة، و الوصول إلى سبل التكامل معها، يدخل في مجال التدريبات الابتكارية . فنحن عندما نصل إلى مفهوم إلى مفهوم ما، نحتاج إلى استنباط الأفكار التي تحقّق ذلك المفهوم . هذا بالإضافة إلى حاجتنا إلى الابتكار، لكي نبتدع طرقا نختبر بها، مسبقا، ما نقدّمه من إنتاج جديد .
و من ناحية أخرى، نحتاج إلى الابتكار في عمليات ضغط وقت الإنتاج، و خفض تكلفة تطوير ما ننتجه فعلا، و كذلك في تأمّل سيناريوهات المستقبل المحتمل . و تشتدّ الحاجة إلى الابتكار في لحظات انقطاع التواصل و توقّف استمرارية ما تعوّدنا عليه، نظرا لأنّ تلك اللحظات تكون حافلة بالمشاكل و الفرص، في آن واحد .
كما أنّنا نحتاج في حياتنا الشخصية و العملية إلى ابتداع مفاهيم جديدة، تكون قابلة للتطبيق، على الظروف المتغيّرة، أو على تنبؤاتنا غير الكاملة .

التميّز عن المنافسين

الاقتصار على تحليل المعلومات، قد يوصلنا إلى بعض المؤشّرات و التوجّهات . و لكن، كيف نعرف الطريقة التي تتبادل بها تلك المؤشّرات التأثير على بعضها البعض ؟ .
الذي يجب أن ننتبه إليه، هو أن الاقتصار على عملية تحليل المعلومات للوصول إلى مؤشرات التغيير، تتيح للآخرين ـ في نفس الوقت ـ الوصول إلى نفس المؤشّرات التي وصلنا إليها، ممّا لا يفيد في دعم موقفنا التنافسي . بينما يتحقّق التميّز الحقيقي، عندما نسعى إلى التعرّف على المفاهيم الجديدة التي تتضمّنها تلك المؤشّرات .. بأن نسأل أنفسنا دائما : ما هي المفاهيم الجديدة، و كيف يتاح لنا أن نستنبطها ؟. النجاح في هذا هو الذي يفتح طريق التميّز و التفوّق .
و لكي نفهم العلاقة بين الاعتماد على المؤشّرات، و بين المضي إلى استكشاف المفاهيم، نقول أن قوالب الطوب قد تكون نفس قوالب الطوب التي يستخدمها غيرنا، لكن البناء الذي نشيّده بهذه القوالب لا يكون بالضرورة على نفس صورة المباني التي يشيّدها الآخرون، بنفس قوالب الطوب .

الابتكار .. في تحليل المعلومات

حتّى عند قيامنا بعمليات تحليل المعلومات، قد نحتاج أن نعتمد على الابتكار . السرّ في هذا، هو أن عقل الإنسان لا يرى إلاّ ما هو معدّ لرؤيته . لهذا، تنصرف البيانات و المعلومات و المعارف، في عقل شخص ما، إلى نفس القنوات السابقة التي انصرفت إليها من قبل . ولهذا يوصلنا تحليل المعلومات إلى نفس النتائج التي وصلنا إليها من قبل، بل و ربّما نفس النتائج التي وصل إليها الآخرون .
و على ذلك، نحتاج إلى الابتكار في أمرين :
أولا : في النظر إلى البيانات و المعلومات التي بين أيدينا، حتّى نختار منها ما يقتضيه المفهوم الذي نتعامل معه، سعيا إلى استنباط الجديد من الأفكار .
ثانيا : و أثناء القيام بتحليل تلك المعلومات التي وقع عليها الاختيار، للوصول إلى نتائج متميّزة .

الابتكار .. و الاستراتيجية

استراتيجية أي شركة أو مؤسّسة، لا بد إن تقوم على الابتكار . ذلك لأنّ وضع الاستراتيجية يتضمن عملية "تصميم" أو "صياغة" المفاهيم و البدائل .
و نتيجة للعديد من عناصر عدم التأكّد فيما يتّصل بطبيعة المستقبل، و بسلوك المنافسين، و بضغوط احتياجات البيئة، و بقرارات الحكومة، و بالتغيّرات التي تطرأ على مزاج جمهور المستهلكين .. نتيجة لهذا كلّه نحتاج إلى وضع "تصميم" مرن، و إلى إجراء تغيير في الاتّجاهات، بالنسبة لاستراتيجيتنا . وهذا لا يعني أنّه من غير الممكن الوصول إلى بعض هذا، من خلال التحليل المنطقي، و استخدام المفاهيم التقليدية . لكنّنا غالبا ما نحتاج ـ في ظل ظروف التغيّر الحالية ـ إلى مفهوم جديد . علينا إن نسأل أنفسنا دائما : هل نحن متأكّــدون من أن المفاهيم التقليدية، في أيّ موقف، توفّر لنا القيمة الكاملة ؟، و ما هو حجم استثمارنا في الجهد الابتكاري ؟ .

التسويق و الابتكار

التسويق ركن أساسي من أركان نجاح المؤسّسة و ازدهارها . و هو يعتمد على خليط من الأشياء : عمليات التحليل للبيانات و المعلومات، و ما هو تقليدي من الممارسات، و محاكاة ما تفعله المؤسّسات الأخرى الناجحة، ثم الاعتماد على المفاهيم المبتكرة . و إذا وصل المنافسون إلى الابتكارات التي توصّلنا إليها، علينا أن نمضي قدما نحو البحث عن المزيد من المفاهيم الابتكارية، التي لم يتوصّل إليها المنافسون بعد .
نحن نعتمد، عادة، على طرق مستقرّة في أداء الأشياء، لما في ذلك من توفير للجهد و الوقت والمال. لكن ذلك لا يجب أن يمنعنا من إن نتحدّى تلك الطرق المستقرّة، بأن نسأل أنفسنا دائما : ألا توجد سبل أخرى أفضل ؟، هل ذلك الذي اخترناه مازال منسجما مع التغيّرات التي طرأت على المجالين الداخلي و الخارجي للعمل ؟ .

الصفقات .. و التفاوض

تقليديا، لا يعتبر التفاوض و عقد الصفقات ضمن ابتكار "المجالات الخاصّة"، الذي نناقشه . إلاّ أنّ كلّ من التفاوض و عقد الصفقات يعتمد على تصميم و صياغة المفاهيم الجديدة، و التوصّل إلى قيم جديدة . فالصياغة الابتكارية تتيح للطرفين الوصول إلى أشياء يمكن الاتّفاق عليها، قد لا تبدو واضحة اعتمادا على التحليل المنطقي .
الابتكار عند التفاوض، يخرج بالعملية من مجرّد الاقتصار على ممارسة القوّة و الضغط، و ما هو غير ذلك من الممارسات المؤلمة . و هذا ينسحب أيضا على التناقضات التي تنشأ في علاقات العمل .

* * *

في جميع ما طرحناه من احتياجات في المجالات الخاصّة، تظهر محورية الابتكار . و في كلّ مجال من هذه المجالات تنشأ خطورة اندفاعنا إلى التقليد و التفكير المتدرّج، إلى الحـدّ من الابتـكار . فنحن نميل ـ بطريقة لاشعورية ـ إلى التمسّـك بالتقليدي الذي ألفناه، و بالحياة المريـحة و المخاطرة الأقلّ التي يوفّرها ذلك التقليدي .
و التدريب على ممارسة التفكير الابتكاري في المجالات الخاصّة لا يكون سهلا . فالبشر في هذه المجالات يعتبرون أنفسهم غاية في الابتكار، لذلك يستاءون من فكرة أن يأتي أحد آخر لكي "يعلّمهم" الابتكار . و مع ذلك، فبمجرّد أن يتعلّموا تقنيات الابتكار نجدهم سعداء للغاية، عندما يستخدمونها من أجل الوصول إلى نتائج أكثر قوّة في مجال عملهم

ليست هناك تعليقات: