الثلاثاء، مايو ٠٦، ٢٠٠٨

الابتكا بالتدريب



الابتكار للجميع
بالتدريب و ليس الموهبة

عندما نفتقد القدرة على حلّ المشاكل، اعتمادا على النظريات المتداولة و السوابق، تشتد الحاجة إلى ابتكار حلول جديدة و بدائل غير مسبوقة. و حاليا، يشيع بين البشر مبدآن تقليديان حول الابتكار و الابتكارية، هما أن :
أولا : الابتكار موهبة طبيعية يتميّز بها بعض الأفراد، و لا يحظى بها الباقون . و من ثمّ، لا يكون أمام صاحب العمل الذي يسعى إلى الاستفادة من التفكير الابتكاري في مجال عمله، سوى أن يعمد إلى توظيف أولئك الذين يتمتّعون بموهبة الابتكار الطبيعية .
ثانيا : الابتكار يعتمد على قدرة تخطّي الفرد للخوف و المحاظير . و بمجرّد أن ينجح المسئول في الحضّ على ذلك، يكتفي بانتظار ندفّق الأفكار الجديدة المفيدة .
غير أن د. إدوارد دي بونو، خبير التفكير الابتكاري، لا يوافق على أيّ من المبدأين . فهو يؤمن بأن مهارات التفكير الابتكاري، يمكن لمعظمنا أن يتدرّب عليها بطريقة شكلية منظّمة . و هو يستبعد النظر إلى الابتكار باعتباره موهبة طبيعية في الفرد . و يرى أنّه بإمكاننا أن ندرّب العاملين على التفكير الابتكاري، بالضبط كما ندرّب الفرد على الطهي أو لعب التنس .
لكن هذا لا يعني أن أيّ شخص يتم تدريبه على الابتكار، سيتحوّل إلى مبتكر عبقري . فليس كلّ من يتدرّب على أداء مباراة جيّدة في التنس، يصبح بطلا عالميا من أبطال اللعبة . الممكن في حالتنا، هو الوصول إلى قدر هائل من الابتكار المفيد، على مستويات أقلّ من مستوى العبقرية، على أيدي أفراد عاديين، لم يخطر ببالهم من قبل أن يمارسوا ابتكار

الإرادة والمهارة و المنهج

يعتمد التدريب على توفّر الإرادة و المهارة و المنهج، لدى الأفراد الذين يسعون إلى أن يصبحوا مبتكرين . و بغير هذه العناصر الثلاثة، لن تصل مناهج و حلقات الابتكار إلى إحداث التغيير في طبيعة تناول الأفراد للأمور .
الإرادة :
لابد أن تتوفّر الإرادة، و الرغبة الشديدة، و التصميم، لدى المتدرّبين على المهارات الابتكارية . المسألة أبعد من مجرّد السعي إلى استنفار و استنباط المهارات الطبيعية على الابتكار، لأن القيمــة الابتكارية في هذه الحالة تجيء ضعيفة للغاية . يجب أن تكون هناك ـ من جانب الأفراد ـ محاولات جادّة متعمّدة لتعلّم آليّات و تقنيات و إجراءات الابتكار .
المهــارة :
لاشكّ أن الذي يقوم بالتعليم و التدريب، من المفترض أن تتوّفر لديه مهارات التدريب الابتكاري . لا يكفي أبدا أن يقتصر جهدنا على تشجيع الأفراد على الوصول إلى أفكار غير عادية، أو "مجنونة" !.
يجب أن نتذكّر دائما أن تعلّم التقنيات الشكلية للابتكار، لا يختلف كثيرا عن التدرّب على ركوب الدرّاجة لأوّل مرّة . نحن عندما نقدم على تعلّم ركوب الدرّاجة، لأوّل مرّة، يبدو لنا كلّ شيء شديد المشقّة، و غير طبيعي بالمرّة . فيتساءل الفرد مستنكرا : كيف يمكن أن أصل إلى هذه المهارة ؟، بل قد يتساءل : كيف أصبح بإمكان الآخرين تعلّم ركوب الدرّاجة ؟ ! .
لكن نفس هذا الفرد لا يلبث بعد ذلك أن يألف المهارة الجديدة، و يعتاد عليها، ثم قد يصبح قائدا ماهرا للدرّاجة . و عندما يتذكّر أحاسيسه الأولى، يتعجّب من نظرته السابقة لهذه العملية، باعتبارها أمرا شاقّا و صعبا .
عندما يطلب منّا فعل أشياء مناقضة لعاداتنا المألوفة، أو حتّى لميولنا الطبيعية، لابد أن نشعر في ممارستنا الأولى بأنّه مزعج لنا .
التغلّب على محاظيرنا الطبيعية بإقحام "الفكاهة"، أو بالدعوة إلى التفكير "المجنون"، ليس هو السبيل الأسلم، أو الأكثر فعّالية . التغلّب الأقوى على المحاظير الطبيعية، يجيء من تعلمّنا الاعتماد على التقنيات الابتكارية .
المنهــج :
هناك برامج شكلية منظّمة للتدرّب على التفكير الجانبي، الذي هو في طبيعته التناول المحدّد المتعمّد الوحيد للابتكارية الجادّة .
و هناك ـ أيضا ـ برامج خاصّة لتدريب المدرّبين، حتّى يصبحوا قادرين على طرح و توضيح مهارات التفكير الجانبي، بالنسبة لمن يدرّبونهم . و لا بد من التنبيه إلى ما يحدث، في بعض الأحيان، من سقوط المسئولين عن التدريب الابتكاري في خطأ فادح، ينجم عن التقاطهم أجزاء من أحد البرامج، و أجزاء أخرى من برنامج آخر، بزعم أفضلية هذا على التناول المنظّم المحدّد لتعليم الابتكار

احتياجات التدريــب

يجب أن نميّز بين احتياجات التدريب الابتكاري في المجالات المختلفة . و من المفيد للمـدرّب أن يكون واضحا لديه نوع التدريب الذي يتصدّى له، بصرف النظر عن مدى عمق البرامج المختلفة .
في الحديث عن احتياجات التدريب، سنتكلّم عن ثلاثة جوانب :
أولا : المهارات الابتكارية العامّة .
ثانيا : الابتكار في المجالات الخاصّة .
ثالثا : ممارسة المهارات الابتكارية .

المهارات الابتكارية العامّة

أي إنسان، و كل إنسان، يكون مضطّرا إلى أن يفكّر، يكون محتاجا لبعض المهارات الابتكارية . والبديل عن هذا، و في غياب المهارات الابتكارية، لا يجد الإنسان أمامه سوى الاعتماد على شكل من الأشكال الروتينية القائمة للتفكير، أو الاعتماد على خليط منها .
التدريب على المهارات الابتكارية التي من هذا النمط، يجب أن يشكّل جانبا من المناهج التعليمية على مختلف المستويات .. من المدارس الابتدائية إلى الجامعات .
السر في هذا، هو أن التحوّل من العمل العضلي الذي شاع في عصر الصناعة، يخلي السبيل للعمل العقلي المعرفي الذي يتطلّبه عصر المعلومات . العامل في عصر المعلومات لا ينتظر من يتصدّى لحل المشاكل التي تصادفه، من بين الرؤساء، بل يتولّى بنفسه هذه المهمّة . و حلّ المشاكل يحتاج، عند قصور التحليل و المنطق، إلى الاعتماد على الابتكار للوصول إلى حلول غير مسبوقة . و بهذا، يتحوّل الابتكار من مهمّة مقصورة على بعض المستويات العليا من التسلسل الوظيفي، إلى ممارسة شعبية جماهيرية، يعتمد عليها الجميع .
ونتيجة للأمر الواقع، الذي يفيد أن مثل هذه التدريبات لا تتمّ في المدارس حاليا، و إلى أن يتحقّق ذلك، يكون على المؤسّسات و الشركات أن تسعى إلى تعميم التدريب على المهارات الابتكارية بين العاملين فيها، حتّى يصبحوا أقدر على الاعتماد على الأفكار الابتكارية في كل ما يعرض لهم، خلال نشاطهم اليومي .
المهارات الابتكارية العامة، كنوع متميّز من المهارات الابتكارية، هو الذي يجب أن يكون متاحا لكل من يعمل في المؤسّسة أو الشركة، بدون استثناء . علما بأنّه من البديهي وجود تفاوت في درجة المهارات المطلوبة في كلّ مستوى .
على مستوى المديرين التنفيذيـين، تشتد الحاجة إلى فهم أهمّية و منطـق الابتكار . يجب ألاّ ينظر هؤلاء إلى الابتكار باعتباره رفاهية هامشية، إنّما كمورد رئيسي من موارد المؤسّسة . بهذا تتوفّر لديهم عادات و تقنيات التفكير الجانبي الابتكاري .
و على ما يلي مستوى المديرين التنفيذيين من مستويات، قد لا يكون ضروريا أو مجديا المضي إلى مثل تلك الأعماق . قد يكون من الكافي، توفير فهم واضح لقيمة الابتكار، و تقديم بعض التقنيات الأساسية، حتّى يصبح بإمكان الذي يرغب في ممارسة الابتكار، الأدوات المحدّدة التي يعتمد عليها .

* * *

هذا عن المهارات الابتكارية في المجال العام، و فيما يلي من حديث نستعرض استخدامات الابتكار في المجالات الخاصّة .

ليست هناك تعليقات: