السبت، مارس ٢٩، ٢٠٠٨

الابتكار .. في مجتمع المعلومات

كيف ندخل الابتكار إلى مؤسّساتنا ؟

لقد أصبح الابتكار ضرورة لا غنى عنها، للأفراد و المؤسّسات الاقتصادية و الهيئات الحكومـية، نتيجة للتغيّرات الجذرية المتسارعة التي يلمسها الجميع، و نتيجة للتنافس غير المسبوق الذي لا تقـف أمامه الحواجز أو الحدود، و الذي يتم بإيقاع لاهث . و محاولة إدخال الابتكار إلى المؤسّسة، يواجـه من بعض العاملين باستجابات سلبية، ناتجة عن الفهم الخاطئ ـ و الشائع ـ لحقيقة الجهد الابتكاري .
من أمثلة تلك الاستجابات، قول البعض :
• إنّنا نقوم الآن بكل ما هو مطلوب في هذا الصدد .
• إن لدينا أولويات أخرى أكثر أهمّية .
• الابتكار مسألة موهبة، و كل ما علينا هو أن نقوم بتعيين بعض المبتكرين .
• إنّنا متميّزون فعلا بتفوّق في مجال الابتكار، في الوقت الحالي .
• يكفي ما لدينا من أفراد مبتكرين .
• دعني أعدّد لك بعض الإنجازات الابتكارية التي نقوم بها .

أهمّية القيادة الابتكارية

أيسر الطرق لمواجهة هذا، أن يكون رئيس المؤسّسة، أو مديرها العام، شاعرا بينه و بين نفسه بالحاجة إلى الابتكار . و هذا هو ما يحدث في معظم المؤسّسات الناجحة . و يلي ذلك، تنظيم عدّة حلقات نقاش داخل المؤسّسة، تستهدف توضيح منطق الابتكار و طبيعته . و هذه مسألة هامّة، لأنّنا غالبا ما نتبنّى غير الصحيح من المفاهيم حول موضوع الابتكار .
و لا يكفي في هذا مناقشة تدور مع العاملين، أو ورقة تتلى عليهم، فإدخال الابتكار إلى المؤسّسة لا يتحقّق إلاّ إذا شعر العاملون أنّا لسنا بصدد ابتكار "مجنون"، و أنّنا نسعى إلى ابتكار جاد منظّم، له آليّاته وتقنياته و دروبه، يمكن لأي شخص أن يمارسه، كما يمكن تطبيقه على أيّ موضوع

الابتكار .. مسئولية من ؟

كل إنسان يحتاج إلى الابتكار، و إلى الأفكار الجديدة غير المسبوقة في المجال الذي يتصدّى له . وعلى هذا، فالابتكار يكون مسئولية كل لإنسان .
إلاّ أنّنا لن نصل إلى الابتكار الذي نطمح إليه، إذا لم تتحدّد مسئولية تحريك العملية الابتكارية، والإشراف لى سيرها، خاصّة في مجال الاقتصاد و الإنتاج . و هناك عدّة أشكال تنظّم مسئولية النشاط الابتكاري داخل المؤسّسة، أخذت بها العديد من الشركات الكبرى الناجحة .
( 1 ) قائد العملية :
عندما تطرح الشركة أو المؤسّسة منتجا جديدا، يحتاج الأمر إلى وجود " قائد العملية " ، أو "قائد الإنتاج" .. و هو الشخص الذي يبثّ الحياة و يبعث الطاقة في المنتج الجديد، و يقوده إلى طريق الرواج و النجاح . إنّه يحارب من أجل ذلك المنتج، و هو الذي يمثّله في أي اجتماع أو لقاء، و هو الذي يعتمد عليه في تقديم الأفكار الابتكارية لدعم المنتج عندما لا تسير الأمور وفقا لما يراد . إنّه لا يقتصر في جهده على حلّ مشاكل المنتج عندما تظهر، لكنّه يمضي إلى ابتكار المزيد من وسائل الترويج و ضمان النجاح، حتّى في حالة غياب المشاكل .
و مع ذلك، ففي كثير من الأحيان يكون الشخص الذي جرى تعيينه في وظيفة "قائد الإنتاج"، غير قادر على ضخّ حماس العاملين لحساب ذلك المنتج، و من هنا تأتي فكرة " قائد العملية" في مكان "قائد الإنتاج" .
و يوضّح د. دي بونو الفرق بين نوعي القيادة، فيقول أن "قائد العملية" يتم اختياره من بين وظائف الإدارة العليا، بحيث يتوفّر له الوقت و الطاقة اللازمين لأداء المهمّة . كما أنّه بحكم موقعه، يستطيع أن يشيع الابتكار على مختلف المستويات، و أن يحضّ العاملين في المشروع على تبنّي الفكر الابتكاري
( 2 ) " مدير المفهـوم " :
و يرى دي بونو أن مؤسّسة المستقبل ستعمد إلى إنشاء منصب "مدير المفهوم" . ففي عالم التنافس المحتدم، الذي تتقاتل فيه المؤسّسات من أجل الوصول إلى موقع تنافسي أفضل، يكون الوصول إلى مفاهيم أفضل في نشاط المؤسّسة هو الذي يصنع الفرق بين مؤسّسة و أخرى . سيكون على المؤسّسة أن تعامل المفاهيم، بنفس الجدّية التي نعامل بها مسائل التمويل و العمالة و الطاقة و المواد الخام . لن يكون مجديا، أن نجلس في أماكننا انتظارا لهبوط المفاهيم التي تفضل ما بين أيدينا، و التي يقوم عليها نشاطنا .
( 3 ) " مركز الابتكار " :
بدلا من الاقتصار على بعض ممارسي التفكير الابتكاري، الذين يبذلون قصارى جهدهم للوصول إلى الأفكار الابتكارية، يتم حاليا التركيز على إشاعة الابتكار بين جميع العاملين، مع إقامة هياكل منظّمة لتشجيع الابتكار
من بين هذا، ما يطلق عليه " مركز الابتكار "، الذي يضمّ مجموعة من الخبراء القادرين على تدريب العاملين على عمليات الابتكار . في الاجتماعات التي تستهدف تطوير الأفكار الجديدة حول بؤرة معيّنة، يدعى الخبير القادر على تيسير الجهد الابتكاري . يكون على ذلك الخبير أن يقود اللقاء، معرّفا بمختلف آليّات و تقنيات الابتكار . بهذه الطريقة، يصبح بإمكان المجتمعين أن يطبّقوا هذه الآليّات، حتّى في حالة عدم تدرّبهم عليها تدريبا كاملا .
و يتولّى مركز الابتكار تنظيم حلقات البحث و اللقاءات و المعارض، و كلّ ما من شأنه إشاعة الابتكار داخل المؤسّسة . هذا المركز تكون له مهمّة واضحة و محدّدة، في مجال تعزيز و إشاعة الابتكار بين العاملين . و مع ذلك، لا يجب أن يحتكر المركز الجهود الابتكارية داخل المؤسّسة، بل يكون عليه أن يشجّع أشكال الابتكار التي يبادر بها العاملون، أو التشكيلات الابتكارية الأخرى في المؤسّسة .
( 4 ) " الشــبكة " :
بالإضافة إلى مركز الابتكار، تنشأ الحاجة إلى توزيع المسئولين المحلّيين بشكل منتسب، و حضّهم على بذل الجهد في العملية الابتكارية . و هناك نوعان من الشبكات الابتكارية :
أولا ـ شبكة لقادة العمليات المحلّيين في المواقع المختلفة للمؤسّسة، ممّن يفهمون معنى الابتكار، و يستطيعون إدارة الاجتماعات الابتكارية، و ربّما القدرة على تولّي عمليات التدريب على الابتكار .
ثانيا ـ شبكة الأفراد الذين يبدون دائما اهتماما بالابتكار، و من ثمّ يغلب أن يكونوا ابتكاريين بطبيعتهم . مثل هؤلاء، يشكّلون نموذجا لمن حولهم، و يمكن أن يساعدوا في تحديد من هم على شاكلتهم، ممّن لديهم الطبيعة الابتكارية .
إلاّ أن مثل هؤلاء قد لا يصلحون للعمل كقادة عمليات في المجال المحلّي، لأن موهبتهم الابتكارية لا تتضمّن ـ بالضرورة ـ موهبة تنظيم الآخرين، و حفزهم على الابتكار .
( 5 ) " قسم الموارد البشرية " :
مع تزايد إدراك المؤسّسات لحقيقة أن البشر هم أغلى و أهمّ الموارد، تتزايد أهمّية و مكانة أقسام الموارد البشرية في المؤسّسات . و يتراوح دور قسم الموارد البشرية بين التدريب، و بين السعي إلى حلّ المشاكل، و بين الرعاية العامّة للعاملين . و لكن، هل يجب أن توكل مسئولية استحداث و إجراء برامج الابتكار إلى هذا القسم ؟ . قد يبدو هذا معقولا للوهـلة الأولى، باعتبار أن تطويـر المهارات الابتكارية، هو بطبيعته تطوير للموارد البشرية . إلاّ أن قسم الموارد البشرية يكون، من الناحية العملية، مثقلا بمهامه التقليدية، كالتدريب الروتيني، و التدريب على البرامج الجديدة، و التدريب على إدارة الجودة، و على خدمات الزبائن . و من هنا، تنشأ خطورة اعتبار الابتكار مجرّد عنصر آخر يضاف إلى قائمة المهمات الأخرى، فلا يحظى بالاهتمام الواجب .
( 6 ) " المدرّبــون " :
كمؤشّر لجدّية الاهتمام بالابتكار، تعمد المؤسّسات أحيانا إلى إيفاد أفراد من العاملين فيها إلى المراكز التي تتكفّل بتدريبهم على آليّات التفكير الابتكاري، على أمل أن يعود هؤلاء إلى شركاتهم، ليقوموا بتدريب باقي أفراد المؤسّسة، و ينقلوا إليهم حصيلة خبرتهم . و هذا لا يكون منصوحا به، رغم فائدته، في حالة عدم وجود خطة تدريب متكاملة، يتمّ في إطارها .

ليست هناك تعليقات: