الاثنين، مارس ١٠، ٢٠٠٨

الاستخدامات العملية للجهد الابتكاري

ثقافة المؤسّسة

و الابتكار اليومي فيها

هناك استخدامان عريضان متمايزان للابتكار . أحدهما الابتكار " اليومي "، الذي يصبح فيه الابتكار جانبا من التفكير العادي للشخص، و من ثم يطبّقه على أي موقف يحتاج إلى تفكير، دون جهد متعمّد منظّم. ثم هناك الابتكار"المحـدّد" ، عندما نواجه احتياجا معيّنا، يقتضي الاعتماد على الجهد الشكلي المنظّم، باستخدام تقنيات التفكيرالابتكاري، من أجل توليد الأفكار الجديدة
الابتكاريّون بطبيعتهم، أو الذين تتوفّر لديهم دوافع الابتكار، يقولون أنّهم يستخدمون الابتكار بطرقة آليّة يومية . الابتكار عند هؤلاء يشكّل جانبا من تفكيرهم العادي، استجابة لرغبة جادّة في البحث عن الأفكار الجديدة .
و بعض هذا التوجّه للابتكار اليومي، يمكن أن يرتبط ببعض التقنيات الابتكارية المعيّنة، مثل :
لحظة التوقّف الابتكاري(1)
و هي التي تتضمّن الرغبة في التوقّف و التأمّل، من وقت لآخر .. الرغبة في اعتراض التيار المنساب لعملية ما، أو لخط من خطوط التفكير، من أجل طرح أسئلة من قبيل : " هل توجد هنا بدائل أخرى ؟ "، أو" هل يجب أن نفعل هذا، بهذه الطريقة "، أو"ما الذي يمكن أن نفعله في مواجهة هذا ؟ " . و لحظة التوقّف الابتكاري، تحدث أثناء تفكيرنا في شيء، أو عندما نقرأ عن شيء، أو عندما نستمع إلى حديث شخص آخر
التحــدّي(2)
و هذا جانب هام و أساسي في الابتكار اليومي . و فيه نسأل أنفسنا " هل يجب أن ننجز هذا الشيء بهذه الطريقة ؟ "، أو " أليست هناك طريقة أخرى أفضل لإنجاز هذا ؟ " .
و من الهام جدا، أن يكون لدينا وضوح تام حول الفرق بين التحدّي و النقد . بمجرّد أن يتحوّل التحدّي إلى انتقاد، لا يصبح جزءا من التفكير الابتكاري اليومي، فالانتقاد الدائم معطّل و غير مطلوب . التحدّي الابتكاري، عبارة عن الرغبة في الاعتقاد بوجود طرق أخرى للقيام بشيء معيّن، و أن هذه الطرق الأخرى قد توفّر بعض المزايا الإضافية . و التحدّي الابتكاري، يفترض أن الطريقة المعتادة في إنجاز الشيء، قد لا تكون بالضرورة أفضل الطرق .
و التحدّي، يتطلب التوقف للحظة، نسأل فيها أنفسنا عن السرّ في أن هذا الشيء يتم بهذه الطريقـة . و هذا يتطلّب بعض عمليات تحليل سرّ استمرارية ما نأخذ به عادة، فنسأل أنفسنا " هل هناك سببا تاريخيا ؟ "، أو " هل الطريقة التي ننجز بها هذا الشيء، خاضعة لمطالب البعض ؟ "
بؤرة التركيز البسيطة (3)
بؤرة التركيز تتم بشكل أكثر تعمّدا، أو تحديدا، من لحظة التوقّف أو من التحدّي . بؤرة التركيز هي التعريف الدقيق للابتكار .. تقول فيها " أحبّ أن أعثر على بعض الأفكار الجديدة في هذا الشأن، أو من أجل هذا الهدف " .
عندما يتم تحديد البؤرة، و يكتمل تعريفها يكون ذلك على أمل متابعتها بعد ذلك . فمجرّد إدراك أن شيئا قد تم تحديده، باعتباره " بؤرة ابتكارية "، سيقود إلى الكثير من التفكير الابتكاري غير المتعمّد حول الموضوع .. و هذا هو أحد جوانب الابتكار اليومي .
البدائــل (4)
في بعض الأحيان يكون احتياجنا إلى البدائل واضحا . و الابتكار اليومي، يستهدف بذل الجهد للوصول إلى المزيد من البدائل، بما هو أكثر ممّا يطرأ على العقل البشري بشكل طبيعي . فالابتكار اليومي يتضمّن بذل الجهد للوصول إلى البدائل غير العادية .
التوقّف للبحث عن البدائل، عندما لا تكون هناك مشكلة أو صعوبة، أو حاجة واضحة، يكون أكثر صعوبة .. و التوجّه السليم، يكون بالنظر إلى الأشياء، التي لا تنطوي على مشكلة، بهدف التطوير والتحسين .
الاسـتثارة (5)
عندما تستقرّ ثقافة الابتكار بشكل جيد في مؤسّسة ما، تصبح الاستثارة جانبا من الابتكار اليومي فيها، فيقبل الجميع على استخدام رمز الاستثارة ( بو )، بشكل طبيعي، بل و يصبح بإمكانهم التصدّي للاستثارات القوية .
التوجّه العام نحو الاستثارة، يتضمّن الرغبة في تأمّل الأفكار الغريبة،و تشجيع الأفراد على طرح الأفكار التي تخرج عن المألوف . و هذا يتضمّن ـ في نفس الوقت ـ تناول أيّ فكرة باعتبارها استثارة، بصرف النظر عمّا إذا كان يقصد بها ذلك أم لا .
يستند التوجّه نحو الاستثارة على أمرين :
أولا : الأفكار الأكثر غرابة و مجانبة للصواب، يمكن أن نصل من خلالها إلى بعض الأفكار المفيدة، إذا قمنا بجهد "الحركة" المطلوب، في النظر إليها .
ثانيا : من المفيد أن نطرح "الأفكار الاستثارية"، حتّى نهز العقول، و نخرجها من قنواتها العادية
الاسـتماع (6)
يعتبر الاستماع، بطريقة إيجابية، من جوانب الابتكار اليومي . فحتّى إذا لم تكن تعتزم تقديم أفكار جديدة، أو كنت تعتقد أنّك لن تفعل ذلك، يظلّ بإمكانك أن تساعد على بزوغ الأفكار القيّمة و تطويرها، من خلال استماعك و تشجيعك للآخرين . و من المفيد تذكّر أن "التقييم و الحكم" هما أيضا من مصادر الابتكار . كما أن الشعور بوجود احتمالات أفكار، يساعد على التوجّه الابتكاري

السبل الثلاثة للابتكار اليومي

هناك ثلاثة سبل للابتكار اليومي :
أولا : التحسـيس
أي زيادة حساسية الموقف، أو مضاعفة الإحساس به . عندما يصبح الأفراد أكثر فهما لطبيعة ومنطق و أهمّية الابتكار، يصبحون أكثر التفاتا للعملية الابتكارية، و الإحساس بها . هذا النوع من التحسيس، أو رفع الحساسية، يكون أفضل سبيل إليه تنظيم الدورات النقاشية داخل المؤسّسة، خاصّة بالنسبة لوظائف الإدارة العليا . مثل هذه الدورات، يجب أن تضمّ المديرين، في كافة نشاطات المؤسّسة، بحيث لا تقتصر على مجموعة معيّنة .
و يرى د. دي بونو من خلال تجاربه، أنّه عندما يبدي أفراد الإدارة العليا و كبار المديرين اهتماما شخصيا بالابتكار، فإن ذلك الاهتمام سرعان ما يشيع في المؤسّسة . لقد ثبت أن محاولة قصر الابتكار على بؤرة صغيرة من العاملين في المؤسّسة، لا تكون ناجحة في العادة .
ثانيا : التدريــب
من الممكن تشجيع الابتكار اليومي، عن طريق التدريب على تقنيات التفكير الابتكاري، التي تتيح الوصول إلى أفكار ابتكارية جديدة . بمجرّد أن يحدث ذلك، تشيع المواقف و التوجّهات المرتبطة بتلك التقنيات، حتّى و لو لم يجر استخدامها بالطرق الشكلية. التدريب الفعّال على التفكير الابتكاري، يقود دائما إلى بناء و تأسيس توجّهات الابتكار اليومي .
ثالثا : البرامج و الهياكل
إذا ما توصّلنا إلى تضمين الابتكار في برامج مثل "برنامج التطوير المتواصل"، أو " برنامج الإدارة بالجودة الكاملة "، فإن توجّهات تلك البرامج يمكن أن تشجّع الابتكار اليومي .
و هذا ينسحب أيضا على برامج "إرضاء المستهلك"، لأنّ جميع هذه البرامج تشجّع على التطوير، وعلى إعادة التفكير، و لهذا بكون من الوارد أن تساعد أيضا على الالتزام بتوجّهات الابتكار اليومي . كذلك هو الحال مع الهياكل التي من نوع "حلقات الجودة"، و إن كان الأثر في هذه الحالة سيكون قاصرا على المجموعات المشاركة في نشاط تلك الهياكل، فلا يمتدّ إلى باقي العاملين بالمؤسّسة

* * *

أمّا الابتكار المحدّد، فيختلف بشكل واضح عن مجرّد الإحساس بالرغبة في الابتكار، أو مجرّد التطلّع للبحث عن بؤرة تركيز، على أمل أن يقودنا ذلك إلى شيء مفيد، و هو ما سنتناوله فيما يلي من حديث، بالتفصيل الواجب

ليست هناك تعليقات: