الأحد، فبراير ٢٤، ٢٠٠٨

الابتكار .. في مجتمع المعلومات

كيف تحب أن تفكّر

بمفردك، أم مع الجماعة ؟

يستمتع الإنسان بالعمل مع الجماعة . و رغم أن قيام الفرد بالتفكير منفردا قد يشعره بالوحدة، وبالحاجة إلى أن يكون متمكّنا من الالتزام بالمنهج، و مكتسبا للمهارات المتّصلة بالتفكير الابتكاري، إلاّ أن الجماعة عادة ما تكون بطيئة إذا قيست بإنجاز الفرد .
في حالة الجماعة،
يتكلّم أحد الأفراد، فيستمع إليه الآخرون . و قد يشعر الفرد أنّه مضطرّ إلى تكرار طرح فكرته، أو طرحها بشكل أفضل، إذا ما شعر أن تقبّل المجموعة لها لم يكن جيدا . و هناك ميل ـ في الغالب ـ إلى أن يكون الشخص على درجة من خفّة الظل، لكي تستجيب له المجموعة بضحكة . كما التفكير ضمن مجموعة لا يسمح بالمضي في أكثر من طريق، في نفس الوقت .
أمّا عندما يفكّر الفرد لحاله، فإنّه يستطيع أن يتابع عدّة اتّجاهات مختلفة، دون الحاجة إلى تبديد الوقت بالحديث إلى الآخرين، و الاستماع لهم . كما يمكن للفرد أن يمضي في تطوير فكرة تبدو "مجنونة" في بداية الأمر، و يظلّ يبذل جهدا تجاه تلك الفكرة، حتّى تصبح معقولة . و هذا أمر يكاد أن يكون مستحيلا، عند التفكير بالاشتراك مع الآخرين


تكامل جهد الفرد و المجموعة


و من ناحية أخرى، قد يكون للتفكير وسط الجماعة ميزته، التي تتلخّص في أن المجموعة بأكملها تشعر في نهاية الجلسة أنّها صاحبة الفضل فيما تم الوصول إليه من أفكار خلال الجلسة الابتكارية .
وهذا، يكون ضروريا إذا ما كان المطلوب هو أن تتقبّل المجموعة ما يتم الوصول إليه من أفكار، تمهيدا لتطبيقها . و الفرد، يستطيع أن يمارس تفكيره الابتكاري في أي مناسبة، دون الانتظار لعقد جلسة ابتكارية للمجموعة، أو انتظار لموعدها المحدّد
و في هذا، يقول خبير التفكير الابتكاري، إدوارد دي بونو : من واقع خبراتي، يكون الفرد أقدر على استنباط الأفكار، و فتح الآفاق الجديدة، للتفكير في الموضوع المطروح . و تظهر ميزة المجموعة فيما بعد استنباط الفكرة . ذلك، لأن المجموعة يمكنها أن تضيف للفكرة، و تكسوها لحما، و تطوّرها في اتّجاهات لم تكن تخطر على بال صاحب الفكرة

التفكير في مواقف السيارات


و نطرح فيما يلي مثالا على اعتماد المجموعة على استثارة الكلمة العشوائية :
يبدأ أحد الأفراد بقوله " الاستثارة التي نطرحها هي : موقف السيارات ..(بو) ..الرمل . ما الذي يمكن أن تحقّقه هذه الاستثارة من أفكار لديكم ؟ " .
تتوالى تعليقات المشاركين :
الرمل يبطئ سير السيارة
.. قد تظهر فكرة جديدة من ذلك
الرمال توحي بالشواطئ .. لقد اعتاد الأفراد أن ينظّموا أنفسهم بأنفسهم على الشاطئ . قد يكون من المفيد أن نترك للأفراد أن ينظّموا أنفسهم في مواقف السيارات
الرمل بالنسبة لي، يعني حبّات صغيرة عديدة، و هذا يوحي لي بالاعتماد على نظام "النقاط"، التي تسمح للفرد بدخول موقف السيارات . و عدد النقاط التي تتوفّر لكل فرد، يمكن أن تعتمد على حاجته إلى السيارة بشكل عام، أو على حاجته إلى تركها في ذلك الموقف بالذات، أو على أهمّية تواجده في مكان عمله .. أو قد يحصل صاحب السيارة على النقاط، كمكافأة له على شيء قام به، إلى آخر هذا
السيارات تترك آثارا على الرمال، ما الرأي في حفر أخاديد مملوءة بالرمال، بحيث يلتزم قائد السيارة بالطريق المرسومة، و لا يلجأ إلى اختيار طريق مختصر، مخالفا للقواعد
أنا أميل لفكرة نظام النقاط .
إذا لم يكن صاحب السيارة قد استخدم موقف السيارات لبعض الوقت، تحتسب له نقاط أكثر . و من الممكن أن يبدأ الأمر بعدّة نقاط لقائد كلّ سيارة، بحيث يقتطع بعضها مع كلّ استخدام للموقف . و بهذا، يقتصر استخدام قائد السيارة للموقف عند الحاجة الشديدة
و من الممكن أن يدور الحوار التالي :
صاحب الفكرة :ليس هذا هو ما عنيته بنظام النقاط
أحد المشاركين :أعرف هذا، لكنّها فكرة أخرى وصلت إليها، من خلال فكرتك
هنا، نرى كيف أن صيغة المجموعة يمكن أن تسمح للأفكار بأن تتفاعل، في الوقت الذي يسعى فيه الفرد إلى متابعة فكرته الأصلية، بدلا من طرحها ثم نسيان أمرها


الجلسة المقطوعة : السندوتش


الجلسة المقطوعة، و التي يطلق عليها دي بونو اسم (السندوتش)، عبارة عن شكل من أشكال الجمع بين التفكير الفردي و الجماعي .
يبدأ منهج (السندوتش) بتزويد الأفراد بموجز عن بؤرة التركيز الابتكاري المختارة تبدأ الجلسة بنقاش جماعي لتحديد بؤرة التركيز التي سيدور حولها التفكير، و تطوير بعض الأفكار حول هذه البؤرة . ثم يتم اختيار إحدى تقنيات التفكير الابتكاري، لكي يعتمد عليها كلّ واحد بمفرده، وبحيث يعمل الجميع بطريقة متوازية

الزمن المتاح لهذا، يتراوح بين دقيقتين و أربعة دقائق، و مع تقنية "مروحة المفاهيم قد يمتدّ إلى عشر دقائق . خلال ذلك يمكن للفرد أن يطرح استثارة هروب حول بؤرة التركيز، مستهدفا النظر إلى الأمر بعين جديدة . أو أن يبدأ العمل من خلال الجماعة، بحيث تقرر هي التقنية التي تعتمد عليها، ثم يكون على كلّ فرد من أفراد المجموعة أن يبحث ـ منفردا ـ عن البدائل التي تلبّي احتياجات النقطة المحدّدة . و من الممكن أن يتم هذا من خلال لقاء تمهيدي للمجموعة بأكملها، أو عن طريق الاتّصال الفردي .. عن طريق التليفون أو الإنترنيت أو بالاعتماد على البريد
بعد هذا، يعمل كلّ واحد، بمفرده، لمدة أسبوع على سبيل المثال . و قد يتضمّن التمهيد الابتدائي اقتراح بما يمكن الاعتماد عليه من استثارات، أو قد يترك ذلك كلّه للأفراد، وفقا لمدى مهارتهم .
في النهاية، يعقد لقاء جماعي، تطرح فيه حصيلة تفكير الأفراد . و هذا لا يتم شفاها، بل يجب أن تتضمّنه الأوراق التي يجئ بها كلّ فرد إلى اللقاء . يخصّص لكلّ واحد عشر دقائق لطرح نتناج تفكيره. ثم يفرد باقي الجلسة لمناقشة جميع الأفكار، و السعي إلى تطوير أفكار جديدة منها . و في نهاية هذه الجلسة، ينصرف المشاركون ليقوم كلّ منهم بمزيد من التفكير الابتكاري الفردي . و يمكن لكلّ منهم الاعتماد على الأفكار التي جرى طرحها في تلك الجلسة، و أن يطوّر أفكاره الخاصة التي كان قد توصّل إليها، على ضوء تعليقات المجموعة
و في آخر فترة محدّدة، و لتكن أسبوعا ثانيا، يكون على كلّ فرد أن يعود و معه حصاد كامل، أو تقرير شامل عن التفكير الابتكاري الذي قامت به المجموعة . و هذا كلّه، يتم دمجه في تقرير واحد، يجري توزيعه على الأفراد، لكي يفكّروا فيه ابتكاريا، قبل عقد الجلسة الختامية، التي تتم فيها مناقشة الأفكار النهائية و اختيارها

مزايا الفرد و الجماعة

من بين مزايا منهج (السندوتش)، أو تعاقب التفكير الجماعي و الفردي، هو أن يصبح الأفراد أكثر تقبّلا لأفكار الآخرين . فعندما يدرك الشخص أن أفكاره ستعرض على الآخرين، يميل ـ بشكل متزايد ـ إلى أن يتّخذ موقفا إيجابيا و بناء تجاه أفكار الآخرين .
و المعروف، أنّه من بين نواقص المنهج التفكير الجماعي، ما قد يحدث من جلوس البعض دون إسهام بأفكار من عندهم، أو من استعدادهم الدائم للإقلال من شأن ما هو مطروح من أفكار، بانتقاد الأفكار أو استبعادها فوريا . لكن، ما يحقّقه منهج (السندوتش) من دور للفرد في الجهد الابتكاري، يدفع كلّ واحد إلى "بذل الجهد"، و تقديم نتاج تفكيره .
و هذا يفيد كثيرا في إبراز أهمّية التدريب الابتكاري، و المزيد منه . فبعض الأفراد يجلسون خلال جلسات التفكير الابتكاري، متصوّرين أنهم مبتكرون بطبيعتهم، و أنّه يكفيهم أن يجلسوا وسط المجموعة، منتظرين هبوط أفكارهم الابتكارية الطبيعية . لكن، إذا عرف هؤلاء أنّهم مطالبون باستخدام تقنية ابتكارية معيّنة، و تقديم بعض الأفكار التي توصّلوا إليها شخصيا، فإنّهم يصبحون أكثر استعدادا لتطوير مهاراتهم الابتكارية المنظّمة

* * *

التقنيات المنظّمة للتفكير الابتكاري، هي السبيل إلى توليد الأفكار الجديدة، عندما نحتاج إليها . لكن لابد من وجود إطار للتطبيق، أيا كانت مدى جودة الأفكار التي نتوصّل إليها، أو التقنيات الابتكارية التي نعتمد عليها . و من المفيد أن نفرق بين التطبيق في مجـالين، مجال الابتكار اليومي، و مجال الابتكار الخاصّ المحدّد


ليست هناك تعليقات: