الأحد، فبراير ١٧، ٢٠٠٨

الاستخدامات العملية للجهد الابتكاري


إدوارد دي بونو يقول

العمود الفقري للسمكة

يضاعف حريّة حركتها

الأفكار التي نصل إليها من خلال التفكير الابتكاري، يبدو القليل منها قابل للاستخدام الفوري، أو يبدو ـ على الأقل ـ قابل للاختبار و الامتحان العملي . لكن، ماذا نفعل بالأفكار الأخرى التي نتوصّل إليها، ولا يكون واضحا لنا سبيل استخدامها و الانتفاع بها ؟
فيما يلي نورد بعض ضوابط عملية معالجة الأفكار . و هي لا تكون ـ كما قد يتصوّر البعض ـ متناقضة مع انطلاقة التفكير الابتكاري، و تحرّره من القيود، بل تكون السبيل إلى مضاعفة العائد .
في هذا يطرح المفكّر الابتكاري إدوارد دي بونو تشبيها، يقرّب فكرة أهمّية الهياكل في توسيع نطاق الحركة، فيقول " للسمكة عمودها الفقري، الذي تتّصل به عضلات معيّنة، و كلّ عضلة منها تتّصل بأعصابها الخاصّة، لذلك تعوم السمكة في البحر بحرّية تامّة . و كلّما كان هيكلها أفضل و أكثر تركيبا، كما في حالة الدرفيل أو سمك القرش، كلّما كانت حركتها أكثر حرّية و أوسع انطلاقا " . و هو بهذا يريدنا أن نفرّق بين الهيكل الكابح أو المانع للحركة، و الهيكل الميسّر أو الحافز على الحركة .
و فيما يلي بعض ضوابط عملية معالجة الأفكار .

أولا : الرفض السريع للفكرة

أول ما يجب أن ننتبه إليه، هو تجنّب الرفض السريع للأفكار . فإذا لم تنسجم الفكرة التي نحن بصددها مع القيود و الحدود الواقعية، فنحن غالبا ما نسرع إلى رفضها . في مواجهة هذا الموقف، يكون علينا أن نبذل جهدا في البحث عن مزايا الفكرة المرفوضة، لنرى ما يمكن أن تتحوّل إليه من خلال التفكير الابتكاري، علة أن يأتي التقييم في مرحلة تالية .
من بين أكثر الطرق شيوعا و قوّة في رفض الفكرة، قولنا "إنّها نفس ما لدينا.."، كأن نقول :
هذه الفكرة تعبّر عن نفس ما نقوم به حاليا .
هذه هي نفس الفكرة التي حاولناها من قبل، و لم تنجح .
في بعض الأحيان يكون استخدام هذه العبارة أمينا، بمعنى أن الذي يقولها غير قادر على رؤية الفرق بينها و ما هو قائم . لكنّها تستخدم غالبا بشكل غير أمين، باعتبار أنّها بسط طريقة للتخلّص من فكرة جديدة، باعتبارها غير جديدة بالمرّة
نحن نفقد الكثير من الأفكار الهامّة و المفيدة، عند استخدام هذه العبارة الخطيرة
ثانيا : تشكيل الفكرة

خلال التفكير الابتكاري، نستخدم الضوابط في عملية "تشكيل" الفكرة، لكي تكون أكثر معقولية وقبولا . و هذه عملية ابتكارية و فعّالة، أشبه بعمل الخزّاف الذي يصل بيديه إلى تشكيل الصلصال فوق دولابه، للوصول إلى الشكل الأفضل . نحن هنا نسأل أنفسنا :
هل تبدو هذه الفكرة عالية التكلفة ؟، هل يمكن تطبيقها بتكلفة أقلّ ؟ .
هذه الفكرة بشكلها الراهن تبدو غير قانونية، هل من سبيل لجعلها قانونية ؟ .
قد لا تبدو هذه الفكرة مقبولة بشكلها الراهن، كيف يمكن أن نجعلها معقولة ؟ .
إعادة تشكيل الفكرة، يتضمّن جهدا نشطا متعمّدا، من أجل جعلها أكثر اتّفاقا مع مقتضيات الواقع . إلاّ أن هذا لا يمنع بذل الجهد أحيانا في تحدّي هذه المقتضيات و الحدود

ثالثا : تفصيل الفكرة

عند تفصيل الرداء، نقصّ القماش بما يسمح بتفصيله بما هو متاح من قماش . و تفصيل الفكرة ينصبّ على الموارد المتاحة . الشركة الكبيرة قد تكون قادرة مباشرة على تطبيق فكرة ما بفضل مواردها، لكن الشركة الأصغر يكون عليها أن تبحث لنفسها عن طريق آخر لتطبيق نفس الفكرة

رابعا : دعــم الفكرة

كلّ فكرة تكون لها قوّتها الخاصّة . و قد تنبع هذه القوّة من المنافع التي توفّرها، أو من مدى جاذبيتها، أو من مدى سهولة تطبيقها . و دعم الفكرة، يعتبر جانبا من عملية معالجتها . و هو يختلف عن عملية تطويرها بشكل شامل .
و دعم الفكرة، قد يكون لحساب مورّد السلعة أو الخدمة، و قد يكون لحساب المستهلك . إذا ما عادت الفائدة إلى المورّد، فلا بد من التفكير في توفير بعض المنافع الجانبية للمستهلك . و الثابت، أنّه أيّا كان مدى إعجابنا بفكرة ما، فمن الممكن جعلها أكثر قوّة، باستكشاف الطاقة الكامنة فيها
خامسا : تعـزيز الفكرة

هنا، نركّز على جوانب الضعف في الفكرة، ثم نسعى إلى تعزيز تلك الجوانب . و ضعف الفكرة قد يأتي من تعقيدها، أو احتمال إساءة استغلالها، أو من صعوبة تقبّلها لأوّل وهلة .
من المفيد دائما، أن ندخل في اعتبارنا النظر إلى الأفكار في ظل الدوافع المتباينة، فغاليا ما يتصوّر أصحاب التفكير الابتكاري أن مستخدم الفكرة سيكون على مستوى تحمّسهم لها، مع أن الأمر يجري على غير ذلك . فالفكرة الجديدة تبعث الحيرة و المخاوف من المغامرة في نفس مستقبلها
سادسا : استغلال الفكرة

علينا أن نسأل أنفسنا : من هو صاحب القرار في قبول هذه الفكرة ؟، من الذي سيقوم بتطبيقها ؟، ما هي المؤسّسة التي تشكّل الفكرة احتياجا لديها ؟ .
قد تظلّ الفكرة الممتازة راكدة إذا ما فشلنا في التعرّف على الخطوات التي تقود إلى استغلالها . و قد يكون كلّ ما هو مطلوب، وضعها في الشكل المناسب، أو تقديمها في السياق السليم . و الطاهي الماهر هو الذي يعرف أن تقديم الطعام يكاد أن يصل إلى نفس أهمّية نوع ذلك الطعام
سابعا : المقــارنة

التفكير الغربي، يقوم على مهاجمة ما هو موجود، ثم ابتكار بديل يقود إلى التخلّص من النواقص الحالية . أمّا التفكير الشرقي (كما في اليابان على سبيل المثال)، فيقوم على الاحتفاظ بما هو قائم، مع العمل على توليد البدائل الممكنة له . بعد هذا، تتمّ مقارنة المنهج الحالي بما جرى التوصّل إليه، لمعرفة المكاسب التي يمكن أن تحقّقها البدائل الجديدة . و تعتبر المقارنة هنا من الجوانب المحورية .
المقارنة، تقود سريعا إلى اكتشاف المنافع، و المصاعب أيضا . و الفكرة التي تبدو قويّة في حدّ ذاتها، غالبا ما تبدو أقلّ قوّة، إذا ما قارنّاها بأفكار أخرى
ثامنا : الأخطاء و النواقص

يتأجّل البحث عن أخطاء و نواقص الفكرة الجديدة . و السر في هذا، هو أن الكثير من النواقص يمكن أن تكون قد ظهرت، كما نكون قد وصلنا إلى علاج بعض هذه النواقص، من خلال عمليات الدعم والتقويم للفكرة المطروحة .
تكون مهمّتنا هنا، مسح جوانب الفكرة الجديدة، لوضع اليد على النواقص و المشاكل، بل و ما يحتمل ظهوره مستقبلا

تاسعا : عواقب الفكـرة

المرحلة الأخيرة من مراحل معالجة الفكرة الجديدة، تتضمّن تأمّل عواقب تطبيق الفكرة . إنّنا نسأل أنفسنا : ما الذي يمكن أن يحدث مباشرة ؟، و ما الذي يمكن أن يحدث في المدى القريب ؟، و ما الذي يمكن أن يحدث على المدى البعيد ؟ . و المعيار الزمني لهذه العواقب يختلف باختلاف المجال . في مجال الأزياء، قد لا يتجاوز المدى البعيد ستّة أشهر . أمّا بالنسبة لمشروع جديد لتوليد الطاقة، فقد يصل المدى البعيد إلى 30 سنة .
قد يتضمّن الأمر ثغرات أو أحوال غير معروفة . و هنا، يمكن أن نطرح عدّة بدائـل للسيناريوهـات المحتملة . قد لا نعرف استجابات المنافسين، إلاّ أنّه من الممكن تحديد بعض الاحتمالات
***

عندما ننتهي من "معالجة" الفكرة الجديدة، يمكن أن نمضي بها إلى مرحلة "التقييم" . فمع انتهاء المعالجة، يكون التفكير الابتكاري البنّاء قد وفّر أفضل ما فيه بالنسبة لتلك الفكرة . بعد ذلك، يجب أن تصمد الفكرة في وجه إيّ من دعاوى الوقت أو الموارد .
و العنصر الأساسي في التقييم، هو النظر في جدوى الفكرة و منافعها و مواردها، ومدى مناسبتها للواقع الذي سيجري تطبيقها في إطاره

ليست هناك تعليقات: