الاثنين، فبراير ٠٤، ٢٠٠٨

الحصاد الابتكاري
و الأفكار السحرية

عندما نتصدّى للتفكير الابتكاري، ينحصر همّنا في الوصول إلى أفكار جديدة، يسعى الآخرون إلى الوصول إليها .. إنّنا نبحث دائما عن الفكرة السحرية، و يقتصر تفكيرنا عليها، متجاهلين كلّ ما يحدث عداها، خلال جلسات التفكير الابتكاري .
و خير تمثيل لهذا، ما يحدث في عملية التذوّق الفنّي . عادة ما يقف الشخص أمام عمل فنّي، ثم يقرّر إذا ما كان يحبّه أم لا . لكن، عندما يتوصّل ذلك الشخص إلى بعض المعارف، و يمارس بعض التدريب، في مجال التذوّق الفنّي، يبدأ في ملاحظة ما هو أبعد ممّا كان يراه سابقا، التكوين، الملمس، مستوى اللعب بالأضواء و الظلال، واختيارات اللون، إلى آخر ذلك .
لهذا، نحتاج أن نتدرّب لكي نتمكّن من حصاد محصول جلسات التفكير الابتكاري بالكامل، و لا نقتصر على السعي إلى الأفكار "السحرية" فقط .
في أي جلسة من جلسات التفكير الابتكاري، تكون هناك ثلاثة أغراض
أولا : العثور على الأفكار السحرية .
ثانيا : الوصول إلى أفكار أخرى، يمكن تصنيفها باعتبارها أفكار قابلة للاستخدام .
ثالثا : شحن العقل بتنوّع من المفاهيم و الأفكار، قد لا تكون مفيدة حاليا، لكنّها تثري أيّ تفكير نقوم به في المستقبل، في موضوع اهتمامنا، و في الموضوعات الأخرى أيضا

تصميم ملعب للأطفال

كمثال عملي على هذا، نطرح عملية الحصاد الابتكاري لجلسة ابتكارية دارت حول تميم ملعب للأطفال.
الأفكار المحدّدة
نعني بذلك الأفكار المحدّدة التي يمكن أن تتحوّل إلى فعل . و هي تتضمّن الأفكار "السحرية"، التي يتعرّف جميع المشاركين على جدواها للوهلة الأولى . إلاّ أنّه غالبا ما تتضمّن عملية التفكير بعض الأفكار العملية الأخرى، التي تكون قابلة للاستخدام .
عند التفكير في موضوع ملعب الأطفال، تم الوصول إلى بعض الأفكار المحدّدة، منها :
أولا : مقهى أو بوفيه للآباء و الأمّهات في الموقع .
ثانيا : تخطيط أرض الملعب، بما يسهّل ممارسة بعض "الألعاب الجديدة" .
ثالثا : الفصل الدقيق بين فئات العمر المختلفة للمستفيدين من ذلك الملعب .
أفكار " على سبيل المثال .."
و نعني بذلك الأفكار التي يتقبّلها الجميع باعتبارها أفكارا عملية، قابلة للتطبيق . و هذه الأفكار غالبا ما تحمل معها بعض المفاهيم أو العمليات، التي يمكن أن تكون ذات قيمة . فكرة "على سبيل المثال .." هي مجرّد تصوّر أو تمثيل لهذه المفاهيم و العمليات .
في نقاش موضوع ملعب الأطفال، تضمّنت أفكارا "على سبيل المثال.."، كان من بينها :
أولا : مكعّبات أو صناديق لبناء الأجسام .
ثانيا : مباريات تتنافس فيها الفرق على سحب كتلة ثقيلة عبر أرض الملعب .
ثالثا : ركن خاصّ تابع للملعب، للمبتكرين و المبدعين من الأطفال .
بذور الأفكار
الفكرة البذرة، هي مجرّد بداية فكرة . عندما نشعر بتضمّن الفكرة لاحتمالات مفيدة، يكون علينا أن نسعى إلى تشكيلها و تصميمها، بحيث تتحوّل إلى شيء نافع . مثل هذه الأفكار تحتاج إلى الكثير من الجهد و العمل، و هي في هذا تختلف عن الفكرة "على سبيل المثال.."، التي لا تحتاج بذل ذلك الجهد .
عند التفكير في ملعب الأطفال، تمّ الوصول إلى بعض بذور الأفكار، مثل :
أولا : يمكن أن ترعى بعض الشركات الخاصّة ذلك الملعب، و تموّله كلّ شركة ليوم من أيام الأسبوع .
ثانيا : التعاقد مع بعض الجماعات لتصميم أرض الملعب، لكي تكون صالحة لممارسة بعض المباريات الإضافية .
ثالثا: زي بلون خاص لكل مباراة من المباريات التي تتمّ في الملعب .
المفاهيم المباشرة
و هي المفاهيم التي تبزغ خلال النقاش، و التي يمكن أن نمضي بها قدما لكي تتحوّل إلى أفكار، أو نحتفظ بها كمفاهيم . في كلّ من الحالتين، يتمّ تسجيل هذه المفاهيم، باعتبارها مفاهيم . و الأكثر أهمّية، هو تسجيل " المفاهيم ذات القيمة " . و تسجيل المفاهيم ليس سهلا، ذلك لأنّ المفهوم لا يظلّ قائما كمفهوم إلاّ للحظة قصيرة، لأنّ الجميع يعمدون إلى المضي منه إلى استخلاص فكرة نافعة .
في جلسة ملعب الأطفال، ظهرت بعض المفاهيم، من بينها :
أولا : عملية إنجاز الملعب يجب أن تتضمّن الجهد الشخصي للأطفال .
ثانيا : دعم فرصة لقاء الأطفال مع أطفال آخرين .
ثالثا : تدريب الأطفال على العمل مع الآخرين كفريق عمل .
رابعا : استخدامات مرنة لنفس الموقع المتاح لملعب الأطفال .
من الأفكار إلى المفاهيم
خلافا لما اعتدنا عليه من المضي من المفاهيم إلى الأفكار، نعمد في عملية حصاد الأفكار إلى الانتقال من الأفكار المطروحة إلى استنباط المفاهيم التي خرجت منها . في حوار ملعب الأطفال كانت :
أولا : مفهوم رعاية تجارية للملعب .
ثانيا : مفهوم تشجيع الأطفال على الابتكار .
ثالثا : مفهوم السماح بمباريات و ألعاب غير الشائعة .
الاتّجــاهات
الاتّجاهات أو التوجّهات، عبارة عن مفاهيم و تناولات عريضة، بالنسبة لموقف ما، مثال ذلك في حالة ملعب الأطفال
أولا : المشاركة .
ثانيا : اللعب مع الآخرين .
ثالثا : المرونة .
الاحتـــياجات
خلال الجهد الابتكاري، تظهر بعض الاحتياجات الواضحة . مثال ذلك في حالتنا :
أولا : الحاجة إلى التوجيه غير الإملائي .
ثانيا : الحاجة إلى طرق لتشكيل كل فرقة من الفرق .
ثالثا : الحاجة إلى جذب اهتمام الشركات و المؤسّسات التجارية .
التغــيير
خلال الجلسة الابتكارية، قد يحدث تغيّر في التفكير، ممّا يفتح سبلا لأفكار جديدة . كما يمكن أن يحدث التغيير في الاتّجاهات، فتبدأ المناقشة في اتّجاه ما، ثمّ تتطوّر لتمضي في اتّجاه آخر جديد . مثل هذه التغيّرات نحتاج إلى تسجيلها في صورة " من كذا .. إلى كذا "، مثال هذا في حالتنا :
أولا : تغيّر النظرة للملعب، من مكان لممارسة الرياضات الفردية، إلى مكان لمباريات جماعية بين الفرق المختلفة .
ثانيا : التغيّر من الاقتصار على توفير وسائل تسلية تقليدية محدّدة، إلى استنباط أشكال جديدة للألعاب .
ثالثا : التغيّر من موقف تحاشي تدخّل الشركات و المؤسّسات المالية، إلى محاولة بحث سبل تشجيعها على المشاركة في التمويل

***

يقال في عالم الصحف و المجلاّت، أن الوصول إلى مشترك جديد يكلّف أربعة أضعاف استعادة مشترك قديم . نجد ما هو قريب من ذلك في مجال حصاد الجهد الابتكاري .
فالتقاط فكرة أو مفهوم سبق التوصل إليه، أسهل بكثير من أن نستنبطه . لذلك، يعتبر تخصيص جهد للحصار الابتكاري جانبا هامّا من جوانب عمليات التفكير الابتكاري، حتّى لو كان ذلك مجهدا و مبدّدا لوقت المشاركين في الجلسات

ليست هناك تعليقات: