الخميس، يناير ٢٤، ٢٠٠٨

الاستخدامات العملية للجهد الابتكاري

من التفكير الابتكاري

إلى الاستراتيجيات و الخطط

من المواقف العقلية التي نعتمد فيها على الابتكار، ما يحدث عندما يتجمّد العقل، أو يصبح أقرب إلى الصفحة البيضاء . كثيرا ما نجد أنفسنا في حالة من الجمـود العقلي،... فتختـفي أيّة فرصة للابتـكار أو للوصول إلى أفكار جديدة . نراجع الموقف مرّة بعد أخرى، ثم نسلّم باستحالة ابتكار شيء بصدده . و هذه الحالة، تختلف عن حالة الجمـود، التي تكون لدينا فيها بعض الأفكار، لكنّنا نظـل ندور فنجد أنّنا نعود إليها .
في المواقف البيضاء، يفيدنا الاعتماد على تقنية " الكلمة العشوائية"، باعتبار أنّها تعتمد على عنصر ليس له صلة بالموضوع الأصلي للتفكير . في هذه الحالة، يمكن أن نعتمد على أي عنصر عشوائي : قراءة عشوائية، صورة عشوائية، أو حتّى زيارة عشوائية لمكان أو معرض أو متحف .
لكن دعونا ننتقل إلى بعض المجالات العملية للجهد الابتكاري: مثل المشروعات، و الصراعات، و الوصول إلى المستقبلات.. و أخيرا، و هو الأكثر أهمية، وضع الاستراتيجيات و الخطط

المشــروعات

المشروعات، تحتاج إلى جهد يتّسم بالكفاءة و التخصّص . فما هو دور الابتكار في هذا المجال ؟ . يمكننا أن نبحث عن صلة بين التفكير الابتكاري، و بين الكفاءة التي يتطلّبها المشروع . كما يمكننا أن نعتمد على الابتكار في الوصول إلى تناول أفضل للموضوع .
و تقنية "بؤرة التركيز"، تكون لها أهمّية خاصّة في هذا المجال . فهي تفتح السبيل إلى اكتشاف أكثر من بؤرة فرعية للتفكير، و تتيح قاعدة أوسع للتفكير في المشروع المطروح . لكن، لا بد من الانتباه إلى أن "بؤرة التركيز"، تقف عند حدّ الأفكار، و لا تتجاوز ذلك إلى الفعل أو الحركة . و نصل أيضا إلى مجال أوسع في التفكير، عندما نعتمد على تقنية "التحدّي"، لتجاوز ما نلتزم به من حدود و افتراضات تقليدية .

الصــراعات

لا يوجد نشاط يخلو من الصراعات . و مواقف الصراع تتضمّن عمليات المساومة و التفاوض، وأيضا القتال . فخلال الصراعات يحتدّ التناقض بين المصالح، و يبحث كلّ طرف عن سبله الخاصّة .
المناهج المأخوذ بها عند الدخول في صراعات، يشيع فيها استخدام القوّة و الضغط، بما يتضمّن الكثير من مشاعر الخوف و الألم . إلاّ أنّ الاعتماد على التفكير الابتكاري، يمكن أن يتيح لنا اكتشاف مجالات أوسع لمواجهة الصراع، تتجاوز ما تفترضه الأطراف الداخلة فيه .
و من البديهي، أن يكمن الجهد الأساسي هنا في الاعتماد على تقنية "البحث عن البدائل" . و هذا يتضمّن البحث عن مفاهيم بديلة، ليس فقط في الرؤية العامّة, و لكن في كلّ حركة، أو عند السعي لتطوير موقف من المواقف . نحن نسأل أنفسنا : كيف يجري تصوّرنا لهذا ؟، و كيف يمكننا أن نتصوّره بشـكل مختلف ؟ . و من خلال هذا، يمكن أن نكتشف سبل بديلة، و نقاط اهتمام أخرى .
و بدلا من تبادل اللكمات في مواجهة اقتراح معيّن، يمكننا الاعتماد على تقنية "التوقّف"، أن نتوقّف لحظة من الزمن، لنرى في ذلك الاقتراح فرصة متاحة، وليس تهديدا لوضعنا . و "التحدّي"، في مجال الصراعات يجب أن ينصبّ على تفكيرنا، و ليس على تفكير الطرف الآخر في الصراع . أمّا عند الاعتماد على تقنية "الهروب"، فيجب أن تقوم أطراف الصراع بإجراء استثارة الهروب، لكي يتاح لجميع الأطراف أن تنظر إلى المطروح بعين جديدة .
مقياس النجاح في حلّ الصراعات، هو القدرة على تقبّل "المفاهيم" المختلفة للقيمة التي نحن بصددها، للوصول إلى تصميم و رسم سبل جديدة لتوفير تلك القيمة .

المســتقبلات

عندما نحاول الوصول إلى صورة المستقبل، نعمد عادة إلى مدّ خطوط المؤشّرات الحالية على استقامتها، و نتوقّع التحوّل عند التقاء تلك الخطوط، محدثة مجموعة من التغيّرات الجديدة، تساعدنا على تمييز المستقبل الذي نسعى إلى تصوّره .
لكنّنا، في دوّامة التغيير التي نمرّ بها، نحتاج إلى أن نصل إلى رؤية أكثر ثراء للمستقبل، و أن نركّز على احتمالات توقّف استمرارية ما هو قائم .. و هذا يجعلنا في أشدّ الحاجة إلى التفكير الابتكاري .
في هذا المجال، يفيدنا تجميع عدد من العناصر المختلفة المنفصلة، للاعتماد عليها في فتح باب الإمكانات المتاحة . و يمكننا هنا أن نعتمد على تقنيتي "الهروب"، و تحليل "المفاهيم" . أن نتأمّل المفاهيم المستقبلية القائمة أو المحتملة، ثم نهرب منها، أو من بعض مظاهرها، كأن نقول :
ـ (بو) .. ليس من الضروري أن نعمل لكي نحصل على المال .
و حتّى إذا بقيت بعض المفاهيم على حالها، فيفيدنا أن نبحث عمّا يكون هناك من بدائل يمكن أن نتناولها . كما يمكننا أن نعتمد على تقنية "التحدّي"، في أي مرحلة من مراحل التفكير، لكي نتحدّى أفكارنا الحالية حول المستقبل .

وضع الاستراتيجية

وضع الاستراتيجية، يعتبر من العمليات المركّبة، بما يستوعبه من مشاكل و فرص و مهام ومستقبلات و صراعات، و عند سعينا إلى وضع ذلك كلّه في تصميم شامل . كما أن وضع الاستراتيجية يتضمن توفّر قدر من المعلومات، و تحليل التوجّهات و المؤشّرات و الإمكانات . في معظم هذا، نحتاج إلى الابتكار، الذي يوفّر الجديد من المفاهيم، من أجل الوصول إلى تصميم أفضل .
خلال هذا، لا بدّ أن يتحقّق لنا الوضوح اللازم حول بؤرة تركيزنا العامة، و كذلك حول بؤر التركيز الفرعية المختلفة، ممّا يتمّ بالاعتماد على تقنية " بؤرة التركيز" . نحن نسأل أنفسنا : ما هو الغرض من هذه الاستراتيجية ؟، و ما الذي يمكن أن تحقّقه ؟، و كيف يجب علينا أن نعالجها ؟ .
كما تفيد تقنية "التحدّي"، في تحدّينا للحكمة التقليدية السائدة، و نوع التفكير الذي يسود المؤسّسة . كما يمكننا أن نتحدّى ما لدينا من افتراضات حول المستقبل، و الحدود التي تضعها المؤسّسة، و ما تعتمده من قيم و تكنولوجيات . و غالبا ما سنجد توجّهات سائدة في المؤسّسة تحتاج إلى أن نتحدّاها، حول خفض التكاليف، أو حول نظام المكافآت التشجيعية .
و تقنية "البدائل"، تنفعنا في كشف الاستراتيجيات البديلة، و المفاهيم البديلة، و الوسائل البديلة في إنجاز العمل، و كذلك الرؤى البديلة للمستقبل . و لأنّ المفاهيم تكون أكثر أهمّية من الأفكار، نعتمد على تقنية "المفاهيم"، فالمفهوم الخاطئ لا يمكن لأي أفكار أن تصحّحه
التخطــيط

نأتي أخيرا إلى المجال الأخير من مجالات الاستخدام العملي للابتكار، ألا و هو وضع الخطط .
الكثير ممّا قلناه، حول المستقبل و التصميم و المشروعات و الاستراتيجية، ينسحب على التخطيط . و رغم أن التخطيط عادة ما يسوده التفكير المنطقي، لكن تبقى إمكانية الوصول إلى أفكار أفضل بفضل الابتكار.
في كلّ خطوة من خطوات التخطيط، يمكننا أن نعتمد على تقنية "البدائل" . فهذا يتيح لنا اكتشاف طرق مختلفة، أو أشكال مختلفة لسلوك نفس الطريق، كما يفيدنا في اكتشاف مواقع بديلة نعتمد عليها كنقاط للرصد . نستخدم استثارة البدائل لنسأل أنفسنا : ما الذي يمكن أن يحدث إذا فعلنا هذا ؟ .
عند وضع خطّة معيّنة، يمكننا أن نتحدّى الظروف التي تواجهها هذه الخطّة، و عند ذلك نسأل أنفسنا : هل من الحتمي أن نقبل بهذه الحدود ؟، أو نسأل : هل هذا الأمر، أو هذه الحقيقة، ضرورية لا غنى عنها ؟ .

* * *

الأهمّ من هذا كلّه، كيف نستفيد أكبر استفادة من ذلك الجهد الابتكاري الذي قمنا به؟ .. كيف نصل إلى الحصاد الابتكاري ؟ .. و كيف نتجاوز جاذبية الأفكر السحرية ؟

ليست هناك تعليقات: