الاثنين، ديسمبر ٢٤، ٢٠٠٧

الابتكار .. من خلال الكلمة العشوائية



تفّاحة نيوتن ..
و الكلمة العشوائية

حوالي عام 1968، توصّل دكتور دي بونو إلى آليـة ابتـكارية، جرى استخدامها بشكل واسع، و بنجاح كبير، على أيدي أشخاص لا يعرفون ـ عادة ـ كيف تعمل، و لماذا تكون فعّالة . هذه الآلية تبدو للوهلة الأولى غير معقولة . فيها تكون لدينا مسألة أو بؤرة نركّز عليها، و نريد أن نصل إلى أفكار ابتكارية جديدة حولها، فنختار كلمة، أي كلمة، بطريقة عشوائية، ثم نجمع بينها و بين بؤرة تركيزنا .
لفهم هذه الآلية، و قبل أن نشرح طريقة الاعتماد عليها، قد يفيدنا أن نشير إلى ما سبق أن طرحناه حول طريقة عمل المخّ البشري . المخّ البشري عبارة عن جهاز معلوماتي ذاتي الترتيب، تتدفّق عليه المعلومات في بداية الأمر فتحفر فيه قنوات خاصّة، تتحوّل مع الوقت إلى خريطة ذات تضاريس ثابتة، وكلّما دخلت بعد ذلك معلومة جديدة خضعت في حركتها لذلك الترتيب الثابت . و وظيفة المدخل العشوائي، أو الكلمة العشوائية بالتحديد، أن تساعدنا على الخروج من تلك القنوات إلى مسارات جديدة، تتيح لنا أن ننظر إلى موضوع الابتكار بعين جديدة، موفرة العديد من الأفكار غير المسبوقة .

التفّاحة و قانون الجاذبية

المخ البشري ماهر جدا في إقامة الصلات، إلى حدّ أنّه حتّى في حالة الكلمة العشوائية، التي تبدو بعيدة للغاية، فإن المخّ يكون قادرا على الوصول إلى علاقة بين تلك الكلمة و موضوع التفكير . و تاريخ الجنس البشري حافل بالأمثلة، حول لحظات أطلقت فيها الصدفة شرارة أفكار جديدة هامّة .
و من البديهي، أن هذا لا يحدث إلاّ مع عقل "جاهز"، أو "متهيئ"، كان مشغولا بالمسألة انشغالا قويا . وكلّنا يذكر القصّة الشهيرة للعالم الإنجليزي إسحاق نيوتن، الذي كان يجلس تحت شجرة التفاح، عندما سقطت على رأسه تفّاحة، فقاد ذلك إلى اكتشافه عن الجاذبية الأرضية . المفترض، أن هذا الحدث "أطلق" داخل عقله فكرة الجاذبية باعتبارها قوّة . هذا بصرف النظر إذا ما كانت القصّة حقيقية أم لا .
و السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل يكون علينا أن نجلس تحت الأشجار في انتظار تفّاحة تسقط على رؤوسنا ؟! . ألا يمكن أن ننهض و نهزّ الشجرة، حتّى نصل إلى فكرة جديدة ؟ .هذا هو المغزى الحقيقي لآلية الكلمة العشوائية . و لكن كيف نختار هذه الكلمة العشوائية، بحيث تكون عشوائية فعلا ؟ .
هناك عدّة طرق للقيام بذلك، و بإمكان كلّ شخص أن يختار الطريقة التي تحلو له، أو أن يبتكر طريقته الخاصّة . من أمثلة ذلك :
القائمة العشوائية : محاولة تجميع قائمة كلمات بشكل عشوائي، تكون لها أرقامها ( مثل : نار، مكتبه، حذاء، أنف، كلب، طائرة، نمر.. إلى آخر ذلك ) . و عندما تحتاج كلمة عشوائية، تختار رقما، أيا كان، ثم تبحث عن الكلمة التي أمام ذلك الرقم .
القاموس أو المعجم : استخدام القاموس أو المعجم . نفكّر في أحد أرقام الصفحات، و نختار الكلمة التي في أول الصفحة مثلا . إذا لم تكن الكلمة اسم علم من الأعلام يمكننا أن نستخدمها، و إلاّ عدنا إلى اختيار رقم آخر .


السجائر، و إشارات المرور


دعونا نستعرض بعض نماذج استثارة "الكلمة العشوائية" :
السجائر، (بو) .. أضواء إشارات المرور
عندما تصدّت الجماعة الابتكارية في إحدى شركات السجائر لمهمة البحث عن ابتكار جديد، تنافس به باقي شركات السجائر، كانت الكلمة التي ظهرت في القاموس هي "أضواء إشارات المرور"، فماذا كانت النتيجة ؟ .
خلال عدّة ثواني، قادت الكلمة العشوائية إلى فكرة طباعة خطوط أو أحزمة على كل سيجارة، ذات لون أحمر أقرب إلى نهاية السيجارة، باعتبار أن الخط الأحمر يشير إلى منطقة الخطر الصحّي . فإذا ما توقّف المدخن عند الخط الأحمر، سيكون تدخينه أقل خطــرا على صحّته، لعدم دخوله منطقة النيكوتين المركّز . عندما تقيم الشركة دعايتها حول الخط الأحمر، فإنّها تشعر زبائنها بحرصها على صحّتهم .
ثم استثارة أخرى في مجال ترويج السجائر، تربط بينه و بين الكلمة العشوائية "الزهرة" . لقد قاد ذلك إلى اقتراح غريب و غير عادي، مفاده وضع بذور الأزهار في (فيلتـر) السيجارة، بحيث أنّه عندما يلقي المدخّن بعقب سيجارته في أرض زراعية أو حديقة، يمكن أن تنمو الزهور من عقب السيجارة . و في مجال الدعاية، يمكن أن يحدّد المدخن نوع البذور التي يميل إليها ! .

البطالة ..و الأسنان الاصطناعية

في مواجهة أزمة البطالة، قامت المجموعة الموكل إليها التفكير في هذه الأزمة بالاستثارة التالية :
البطالة، (بو) .. الأسنان الاصطناعية
كيف بدأ التعامل مع هذه الاستثارة ؟ . الأسنان الاصطناعية تحتاج أن تحتل مكانها بالضبط وسط باقي الأسنان . و هذا يعني ضرورة وجود نوع من الضمان في مواصفات السن الاصطناعي، تختلف من حالة عن الأخرى . من هذه الزاوية جرى الربط مع مجال العمل و البطالة .
من المفروض أن تتوفّر للعاملين الضمانات في العمل الذي يقومون به، بما يتناسب مع احتياجاتهم .
إذا أراد العامل ضمانا طويل المدى في وظيفته، فعليه أن يقبل أجرا أقلّ، أمّا الذين يتقاضون الأجر الأعلى فعليهم تحمّل الاستغناء المبكر عنهم . و هذا يعني أن يوضع في الاعتبار، الأولويات المختلفة للعاملين، بحيث يتم تفصيل شروط العمل لكل واحد منهم على حدة .
ثم تلك الاستثارة الأخرى، التي تجمع بين آلة الاستنساخ (فوتو كوبي) و بين الكلمة العشوائية "الأنف"، لقد انصرف التفكير مباشرة إلى الرائحـة . و سأل كلّ واحد نفسه : كيف يمكن أن تكون الرائحة مفيـدة هنا ؟ . ربّما كان من الممكن إضافة خزانة للآلة تنشر روائح متميّزة . رائحة القرنفل تعني أن الآلة تحتاج إلى إمدادها بالورق، بينما رائحة الكافور تعني أن خزانة الحبر تحتاج إلى تغيير , و هكذا، لا تكون مطالبا بالوقوف أمام آلة الاستنساخ أثناء عملها . يمكنك أن تجلس إلى مكتبك، تواصل عملك، فإذا شممت رائحة القرنفل، نهضت و أضفت ورقا للآلة .
من الواضح أن تقنية المدخل العشوائي تكون ناجحة في إنتاج خطوط جديدة للتفكير، و الوصول إلى أفكار لم يكن من الممكن الوصول إليها عن طريق التصميم المنطقي أو عمليات التحليل .



مواقف تقتضي الكلمة العشوائية

تقنية الكلمة العشوائية تكون مفيدة بصفة خاصة، في أنواع المواقف التالية التي يواجهها كلّ مفكّر :
الركــود : عندما تشعر أنّك استنفذت كلّ ما لديك من أفكار، و بعد أن تكون قد حاولت أن تكون مبتكرا لوقت طويل، فوجدت نفسك تعود ثانية إلى نفس الأفكار و المفاهيم، أي عندما تكتشف استحالة الوصول إلى أفكار جديدة . في هذه الحالة، يكون من السهل أن تضع الكلمة العشوائية، فتنفتح لك مسالك جديدة في التفكير بشكل مباشر .
الصفحة البيضاء : إذا أسند إليك أحد المشروعات التي تحتاج إلى أفكار جديدة، و لم تكن تدري من أين تبدأ، و لم تكن تتوفّر لك أي أفكار ابتكارية بالمرّة، و لم تجد ما تبذل فيه جهدك . في مثل هذه الحالة، تكون تقنية الكلمة العشوائية مفيدة بصفة خاصّة، في تحريك و إنجاح الأفكار الابتكارية .. إنّها توفّر نقطة البداية التي تحتاج إليها .
الأفكار الإضافية : عندما تتوفّر لك، بالفعل، مجموعة من الأفكار، و تشعر بضرورة وجود خطّ مختلف للتفكير، لا يبدو ظاهرا لك، يكون من المفيد أن تمضي القليل من الوقت في تطبيق تقنية الكلمة العشوائية، حتّى تتكشّف لك الخطوط الجديدة، بشكل واضح، لم يكن متوفّرا من قبل .
الانســداد : يحدث أحيانا أن تشعر بانسداد السبل أمامك، و أنّك قد فشلت في الوصول إلى سبل تمضي بك إلى الأمام، و تكتشف أنك ـ مع كلّ الجهد ـ لا تحرز تقدّما .
عندما يحدث هذا، يستحقّ الأمر أن تعتمد على تقنية الكلمة العشوائية .
و مع أنّه ليس هناك أي ضمان لوصولك إلى نتائج إيجابية، إلاّ أن استثمار الوقت و الجهد يكون مبرّرا. فتقنية الكلمة العشوائية، قد لا توفّر الحل المطلوب، لكنّها تفتح ـ في نفس الوقت ـ خطوطا جديدة في التفكير، و تتيح لك أن تحقّق بعض التقدّم .
الذي يجب أن نوليه اهتمامنا، تلك الثغرات التي تظهر عند تطبيق تقنية الكلمة العشوائية . الانتباه إلى تلك الثغرات، يتيح لك أن تحقّق الفائدة العظمى لهذه التقنية ..
و في الرسالة التالية نستعرض دور الابتكار في واجبات الإنجاز و التطوير و التنظيم

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

تكون الكلمات النظرية فى معظم الأحيان شبه مستحيلة على المستوى العملى
هل المقصود هنا هو سلوك السيل الممكنة بكل أشكالها للوصول للهدف؟
الربط بين ما نريد وبين سبل تحقيقه؟