الخميس، ديسمبر ١٣، ٢٠٠٧

الاستثارة .. كآلية ابتكارية


الــــــــــــــــــــرادار ..
استثارة رفضها جيمس وات

هناك قصة واقعية تؤكد أهمية موقف الشخص من الاستثارة، التي تقود إلى الفكرة المبتكرة .
بطل هذه الواقعة هو العالم الطبيعي المعروف جيمس وات . في ثلاثينيات القرن الماضي، تلقّى رسالة من أحد العامة يقترح فيها على وزارة الدفاع التفكير في الوصول إلى موجة لاسلكية،تكون على قدر من القوّة بحيث يمكن أن تسقط طائرة . رفض العالم وات مجرّد التفكير في هذه الشطحة، الصادرة عن شخص غير مختصّ، باعتبار أن قدر طاقة البث الراديوي يكون محدودا للغاية .
إلاّ أن مساعد العالم وات اهتم بهذه الشطحة ، و اعتبرها رغم غرابتها نوعا من الاسـتثارة، دون أن يفكّر، للحظة واحدة، في احتمال أن يقود ذلك إلى إسقاط أي شيء . و مع ذلك، فقد قاده هذا إلى التفكير في احتمال الاعتماد على انعكاس موجة الراديو في المساعدة على رصد موقع الطائرة . و هكذا، ولدت فكرة الرادار التي ثبتت أهميتها في الحرب العالمية الثانية، بعد ذلك بعدة سنوات .
العبرة في هذا، أن بإمكان الشخص أن يعامل الفكرة الغريبة ـ حتى لو بدت عبثية ـ على أساس أنها نوع من الاستثارة

استثارة منهج الهروب

غير أن إجراء الاستثارة يمكن أن يتم من خلال منهج منظم، و بطريقة متعمّدة، دون انتظار أن تحدث نتيجة للصدفة أو الخطأ . و هناك عدّة مناهج لإجراء الاستثارة، مثل منهج الهروب، و منهج عكس الموقف، و منهج المبالغة، و منهج التحريف، و منهج التمنّي .
و استثارة منهج الهروب، تعتبر طريقة بسيطة و مباشرة في إجراء الاستثارة . ففي أي موقف، توجد العديد من الأشياء "العادية"، و التي "نأخذها مأخذ التسليم" . مثال ذلك، نحن نسلّم بأن المطاعم يجب أن يكون بها طعام . الخطوة التالية هي أن "نهرب" ممّا نسلّم به، أو نسقطه و نستبعده، فنقول :
ـ (بو) .. مطاعم لا يوجد بها طعام .
نحن نتحرّك من هذا الفرض العجيب، فنتصوّر جمهور ذلك المطعم بدون طعام . قد نتصوّر الجمهور يقبل على المطعم و قد أحضر معه شطائره . من هذا، يمكن تطوير فكرة المطعم ليصبح مكانا لطيفا أنيقا، يذهب إليه الرواد كمن يمضي إلى رحلة لمكان مغلق (في مقابل الخلوي) . و يأتي إليه الزبون مصطحبا الأصدقاء و الطعام، مقابل مبلغ معين من المال يدفعه في مقابل الخدمات التي يقدّمها صاحب المطعم .
استثارات الهروب من المألوف في مجال المطاعم عديدة، مطعم لا يتقاضى مالا عن الأطباق التي تطلبها، و يحاسبك على أساس الوقت الذي تمضيه داخل المطعم . و مطعم ليست لديه قوائم بالأطباق التي يقدّمها، تعتمد فيه على ما يقدمه لك كبير الطهاة . كذلك هناك استثارة تقول :
ـ (بو) .. مطاعم لا تقدم أدوات الأكل .
و هكذا، يكون عليك أن تأخذ معك أدوات طعامك الخاصة بك، و إذا لم ترد أن تمضي بها جيئة و ذهابا، يمكن أن تودعها في المطعم كأمانة . في هذه الحالة يمكن أن تستخدم أدواتك الخاصّة التي عليها حروف اسمك، أو شعار الشركة التي تمتلكها، فيعتزّ ضيوفك بأنهم يأكلون في أطباقهم الخاصّة . كما يستفيد المطعم من ارتباطك الدائم به .

التلفزيون، و الدورة الأولمبية

هناك أربعة سبل لإجراء الاستثارة المتعمّدة، هي "عكس الموقف"، و"المبالغة"، و"التحريف"، و"التمنّي".
استثارة عكس الموقف
هنا نتأمّل الطريقة العادية في إنجاز الأشياء، ثم نمضي في الاتّجاه المعاكس أو المقابل . مثال ذلك ما حدث في دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت قبل عام 1984، كانت اللجان المنظّمة ميّالة إلى عدم تشجيع التصوير التلفزيوني للمباريات، لما يمكن أن يقود إليه من انخفاض في إقبال الجمهور إلى الملعب، ممّا يعني انخفاض الإيرادات . في دورة 84 اعتمد منظّمو الدورة على استثارة "عكس الموقف"، و قالوا لأنفسهم : لماذا لا نفكّر في دورة أولمبية تعتمد في تغطية مصاريفها أساسا على حق التصـوير التلفزيوني، والبث على الهواء ؟، لماذا لا يصبح الجمهور مجرّد (كومبارس)، لإضفاء الحيوية على الشاشة ؟
قاد هذا المفهوم إلى تحقيق أرباح غير مسبوقة، و جعل الدول تتنافس على إقامة الدورة على أراضيها.
استثارة المبالغة
هذا المنهج في التفكير الابتكاري يتّصل بالمقاييس و الأبعاد و الأرقام و معدّل التواتر، إلى آخر ذلك . ففي أي موقف يكون هناك وضع قياسي عادي، و في "المبالغة" نزيد أو ننقص في أبعاد ذلك القياس العادي، مثال ذلك :
ـ (بو) .. يجب أن يكون في كل منزل مائة جهاز تليفون .
ـ (بو) .. عدم وجود سوى زر واحد لطلب رقم التليفون .
المبالغة تخلق حالة من عدم الاستقرار، بخروجنا عن النمط العادي . و نحن لا نقف عند حدّ المبالغة، و لكنّنا نمضي في حركتنا إلى الأمام، من أجل الوصول إلى بعض الأفكار غير المسبوقة .
إذا كان موضوعنا هو دوريات الشرطة في الشوارع، يمكن أن نقوم بالمبالغة التالية
ـ (بو) .. رجل شرطة له ستّة عيون .
هذه المبالغة قادت إلى التفكير في كيفية مشاركة الجمهور في عمل الشرطة، و نتج عنها ما يطلق عليه في الولايات المتّحدة الأمريكية " رقابة الجيرة"، حيث يقوم سكّان الشارع أو الحيّ بتوزيع مهام المراقبـة الإضافية على السكّان .
استثارة التحريف
في أي موقف، تكون هناك علاقات طبيعية بين أطرافه، كما يوجد للحدث تتابعه الزمني العادي . واستثارة "التحريف" تتحقّق بتغيير هذه العلاقات و معدّلات التتابع . مثال ذلك في نظم البريد
ـ (بو) .. لا يتم إغلاق ظرف الخطاب، إلاّ بعد إيداعه صندوق البريد .
من هذه الاستثارة يمكن أن نصل إلى فكرة جديدة . إذا لم تود دفع ثمن طابع البريد، ضع الظرف مفتوحا في صندوق البريد . مثل هذه الخطابات تتجمّع لدى وكالات الإعلان بالبريد، التي تضع مع خطابك نشرة إعلانيـة، ثم تغلقه و تضع عليه طابع البريد المناسب . المرسـل يستفيد بمجـانية إرسال الخطاب، و وكالات الدعاية تستفيد بوصول دعايتها إلى زبون محتمل . أو استثارة تحريف أخرى :
ـ (بو) .. التلاميذ يمتحنون بعضهم البعض .
مثل هذه الاستثارة يمكن أن تقود إلى فكرة بسيطة، و هي أن نطلب من التلاميذ أن يضعوا هم أسئلة الامتحان، ثم يكون عليهم تفسير السرّ في اختيارهم لهذه الأسئلة . و من المعروف أن الإنسان يجب أن يكون ملمّا بالموضوع، حتى يتمكّن من وضع سؤال جيد فيه .
استثارة التمنّـي
مثل هذا النوع من الاستثارة، عادة ما يبدأ بتعبير :ألا يكون لطيفا إذا ما كان ؟
هنا، نطرح حلما، نعرف أنّه مستحيل التحقّق . إلاّ أن هذا الحلم أو الأمنية الخيالية، يفيد في إجراء الاستثارة . كأن نقول على سبيل المثال :
ـ (بو) .. يجب أن يكتب القلم بنفسه .
و في مواجهة مشكلة مواقف السيارات، و صعوبة العثور على مكان، يمكن أن نمارس استثارة التمنّي:
ـ ألا يكون لطيفا، إذا ما كانت السيارة قادرة على تحديد زمن وقوفها في موقف السيارات ؟ .
من هذه الاستثارة يمكن أن تبزغ فكرة إمكان أن تترك سيارتك في أي مكان تحب، شريطة أن تترك أنوارها العالية مضاءة، ممّا يقود إلى إفراغ شحنة البطّارية إذا ما تركت السيارة طويلا في مكانها
و من بين استثارات التمنّي، أن نقول: ألا يكون عظيما إذا ما أعلن نشّال المحال التجارية عن نفسه ؟ و بمعنى آخر
ـ (بو) .. نشّال المحال التجارية يعلن عن نفسه .
و من الواضح أن هذه الفكرة تبدو بعيدة الاحتمال، فليس من المعقول أن يقف الشخص وسط المحل التجاري وهو يرفع يده عاليا و يقول " أنا لصّ ! " .
لكن هذه الاستثارة يمكن أن تقود إلى التعرّف على اللصوص من ملابسهم . و هذا يقود إلى فكرة أكثر معقولية، و هي أن يرتدي كلّ داخل إلى المتجر الكبير ما يشبه المعطف الخفيف المغلق من الأمام ، مثل (الجلباب) الذي بلا جيوب أو الفتحات التي تساعد اللص على إخفاء ما يسرقه، و الذي يجده الزبون عند المدخل . و من الممكن أن يعلن المتجر عن خصم صغير على ما يشتريه من يرتدي ذلك المعطف . أمّا الذين يرفضون ارتداء ذلك الجلباب، فتصبح مهمّة مراقبتهم عن قرب أسهل

و إلى الرسالة التالية لنرى آلية ابتكار أخرى .. تعتمد على : الكلمة العشوائية

ليست هناك تعليقات: