الاثنين، أكتوبر ٠٨، ٢٠٠٧

الابتكار في مجتمع المعلومات



المنافسة الاقتصادية .. بين المهارة و الحكمة

التفكير، هو أعظم الموارد البشريّة . و نوع المستقبل الذي سنعيشه يعتمد أساساً على نوعيّة تفكيرنا . و هذا يصحّ في حياتنا الخاصّة و العامة، في البيت و المكتب و الشركة والحكومة . و إذا كانت الشركة تسعى إلى التقدّم و النجاح، في مواجهة المنافسة الداخلية و العالمية، فهي تحتاج إلى أن تتحوّل من الاعتماد على الحوار و الجدل إلى الأخذ بالتفكير البنّاء، و تدرك أن تحليل البيانات لا يغني عن الابتكار، و أن تنتقل من الاعتماد على مهارة التحليل إلى الاعتماد على الحكمة التي تقوم على الإدراك . و باختصار، أن تتحوّل من الرضوخ للتاريخ، إلى الاهتمام بالمستقبل
و لكن، كيف تمارس الشركة التفكير الابتكاري بشكل منظّم ؟، و كيف يمكن أن تكون هذه الممارسة عامّة، تنسحب على كلّ من يتّخذ القرارات فيها، على مختلف المستويات ؟، و ما هي التقنيات أو الآليّات التي يمكن أن تساعد كلّ هؤلاء على ممارسة التفكير الابتكاري و الجانبي، الذي يتيح استكشاف سبل جديدة نافعة في التصدّي للمنافسة، غير التي تعوّدوا عليها ؟
.
أسلحة ابتكارية للجميع

سنطرح فيما يلي، باختصار، عدداً من هذه التقنيات أو الآليّات، تصلح لممارسة الابتكار بالنسبة للفرد أو للجماعة، كما أوردها دكتور إدوارد دي بونو، في كتابه " الابتكار الجادّ "، على أن نقوم بتفصيلها في مقالات قادمة . و هي تتضمّن
القبّعات الستّ
و هذه الآليّة تصلح للجماعات و الاجتماعات، و اللجان و مجالس الإدارة، أيّ في مجالات التفكير الجماعي . و القبّعات الستّ، لها ستّة ألوان، ترمز كلّ واحدة منها إلى نوع التفكير الذي يدور في رأس واضعها . و قبل أن نندهش أو نستهجن، أقول أن هذه الآليّة قد استخدمت بنجاح في كبريات الشركات و المؤسّسات العالمية، و أيضاً في كثير من الحكومات . هذه الحيلة أو الآليّة تنظّم عمليات التفكير، و توفّر فصلا للذات عن موضوع البحث، لكي نصبح أكثر موضوعيّة، و أبعد عن الذاتية التي يثيرها عادة الجدل و الحوار في الاجتماعات
لحظة الصمت الخلاّق
هذه الآليّة تصلح للفرد كما تصلح للجماعة، و تتضمّن لحظة صمت أو توقّف متعمّدة، تستهدف التفكير فيما إذا كانت هناك طرق أخرى لإنجاز ما نقوم به، تفضل الطريقة التي نلتزم بها . و هذه الآليّة تتضمّن الرغبة في الانتباه الابتكاري، و عدم الخضوع للعادي و التقليدي
التركيز البسيط
عادة ما نقتصر في تفكيرنا على المشاكل أو المصاعب التي تعترض سير عملنا، وترغمنا على الانتباه إليها . و مع ذلك، فمن الممكن أن نصل إلى أفكار مبتكرة قويّة، بالتركيز على أمور يتجاهلها المنافسون . التركيز البسيط، ليس محاولة لتوليد أفكار جديدة، لكنّه يقود إلى نقطة يحتمل أن تحتاج إلى جهد ابتكاري .
التحـــدّي : يعتبر التحدّي الابتكاري من أكثر العمليات أهمّية في التفكير الجانبي الذي يقود إلى الابتكار . التحدّي الخلاّق ليس نوعا من الهجوم أو النقد الجارح، لكنه السبيل إلى التفرّد .
التحدّي يمكن أن ينصبّ على مسألة بعينها، أو أن ينصرف إلى التفكير التقليدي الذي اعتدنا الاعتماد عليه بالنسبة لهذه المسألة . يمكن بالتحدّي أن نواجه العناصر التي تشكّل تفكيرنا، و المفاهيم المسيطرة عليه، و كذلك الافتراضات التي نأخذ بها، و المحاذير التي ندخلها في اعتبارنا . و لهذا فالتحدّي الابتكاري يتحدّى بصفة خاصّة ما يمكن أن نسمّيه " التواصل "، أي القيام بشيء ما بطريقة معيّنة، باعتبار أن ذلك هو ما فعله الناس سابقاً، و ما يفعلونه حاليّاً . هذا بالإضافة إلى أن التحدّي يساعد على فتح سبل البدائل المتعدّدة
مرّوحة المفاهـيم
تفيد هذه الآليّة بشكل خاصّ في التفكير "المنجز "، الذي ينطوي على حل المشاكل و إنجاز المهام . و تعتبر هذه الآليّة طريقة متقنة في البحث عن البدائل، عن طريق فتح الباب أمام المفاهيم لتقديم المزيد من البدائل . عند استخدام " مروحة المفاهيم "، يمكننا أن نبدأ من أيّ نقطة، ثمّ نتحرّك إلى الأمام نحو الهدف من التفكير، أو إلى الخلف تجاه الأفكار المحدّدة .
الاستثارة و الحركة
تشتدّ الحاجة إلى الإثارة و الحركة عند السعي إلى اختراق الأنماط و النماذج . يبدأ الشخص عند نقطة " تؤخذ مأخذ التسليم "، أو عند موقف عاديّ مألوف، ساعيا إلى " الهروب " منه
و هناك عدّة طرق متعمّدة للقيام بالاستثارة المطلوبة : مثل قلب مسار الحركة، أو المبالغة، أو التحريف، مّما سيأتي شرحه بالتفصيل فيما يلي من رسائل هذا الموقع. قد نقف عند فكرة تبدو غير معقولة، أو غير قابلة للتطبيق، ثمّ نتحرّك عن طريق الاستثارة إلى فكرة جديدة نافعة .. من المهم أن نقوم بالاستثارة بكلّ شجاعة، و بصرف النظر عمّا إذا كانت الفكرة المثيرة نافعة أم لا . ذلك لأن الأفكار الابتكارية في كثير من الأحيان تبدو عظيمة عندما تكتمل، رغم رفضنا لها في بداية الأمر المدخل العشوائي : من بين آليّات التفكير الابتكاري، آليّة المدخل العشوائي . و الفكرة الأساسيـّة فيها تقوم على مبدأ يقول : إذا أنت بدأت من نقطة مختلفة، فأنت بذلك تزيد من احتمالات الوصول إلى نماذج وأنماط مختلفة عن تلك التي تعتمد عليها عادة إذا بدأت من " المركز " التقليدي . و من بين آليّات المدخل العشوائي، الكلمة العشوائيّة التي نختارها بطريقة عفويّة . هذه الكلمة العشوائيّة تفتح أمامنا السبيل إلى أفكار جديدة حول البؤرة المختارة

القبّـعات السـتّ

و لنبدأ بآلية " القبّعات الستّ "، التي تعتبر من بين أنجح الآليّـات التي توصّل إليها المفكّر المبتكـر دي بونو، و هي أشبه باللعبة الجماعيّة، لكنّها لعبة مفيدة و ثمينة . تستخدم هذه الآليّة بين المجموعات، وفي اللقاءات، كاجتماع مجالس الإدارات، أو الهيئات التنفيذية بالشركات و المؤسّسات، أو في اجتماعات مجلس الوزراء . و يبدأ استخدام هذه الآليّة عندما يتم الوصول إلى رأي، و ليس في مرحلة التشكّك . و"القبّعة" هنا ترمز إلى التفكير الذي يدور في الرأس التي تحتها، و لون القبّعة يحدّد نوع التفكير الذي يلتزم به الجميع في لحظة وضعها . و قبل أن نشرح بالتفصيل طريقة استخدام هذه التقنية عمليّا، نورد ألوان القبّعات، و مغزى كلّ لون منها
القبّعة البيضاء : الأبيض لون محايد، يرمز إلى النقاء . لذا، عندما نضع القبّعة البيضاء، فهذا يعني أنّنا نطلب البيانات و المعلومات و المعارف التي نكون في حاجة إليها عند نقطة معيّنة من البحث، أو عند النظر في جوانب مشكلة ما . موقف الشخص المشارك هنا يكون أشبه بالكمبيوتر، لا يخلط بالبيانات مشاعره أو آرائه الخاصّة أو انطباعاته
القبّعة الحمراء : الأحمر لون الدفء، و يمكن تحتها طرح المشاعر و الأحاسيس، دون تبريرها بشكل منطقي . فالمشاعر المكبوتة أو المستترة كثيراً ما تكون وراء المنطق الزائف و الخلط في التفكير . ويدخل في مجال المشاعر، الحدس و الهاجس و الذوق و الأحاسيس الجماليّة
القبّعة السوداء : يتحدّد اهتمام القبّعة السوداء بالتقييم السلبي، و إظهار العيوب و النواقص و الأخطاء . غير أن ما يرد تحت القبّعة السوداء يجب أن يكون مبرّراً و منطقيّاً، لا علاقة له بالمشاعر . و كما تستخدم هذه القبّعة مع الآراء و الأفكار، يمكن أن تستخدم أيضاً في نقد عملية التفكير الدائرة نفسها، والمناهج التي تتبعها المجموعة في التفكير
القبّعة الصفراء : هذه القبّعة تختصّ بإظهار الإيجابيات و الفوائد و المزايا و المنافع، و هي بهذا عكس السوداء، و لكنّهما تشتركان في ضرورة التناول المنطقي . و رغم منطقيّة القبّعة الصفراء، فإنّها تقبل التفاؤل المستند إلى أسس قويّة، و البحث عن الفرص، كما تقبل طرح الرؤى و الأحلام
القبّعة الخضراء : الأخضر هو لون النماء و الخصوبة، و لذا فهي تختصّ بالأفكار الابتكارية . والبحث عن البدائل في صميم مهام القبّعة الخضراء، ممّا يعني المضي إلى ما هو أبعد من المعروف أو الواضح أو المقبول . هنا، تكون الحركة أهم من التقييم، و على واضع هذه القبّعة أن يمضي من فكرة ما، باحثاً عن فكرة جديدة . الاستثارة المتعمّدة من الممارسات الهامّة تحت القبّعة الخضراء، لأنّها تقودنا من المسار التقليدي إلى مسار جديد
القبّعة الزرقاء : وظيفتها الأساسيّة هي " التحكّم " . و واضعها مطالب بتنظيم عمليّات التفكير خلال الاجتماع، إنّها قبّعة التفكير في التفكير ذاته . واضع القبّعة الزرقاء، يكون أشبه بالمايسترو أو قائد الفرقة الموسيقية الكبيرة، الذي يستدعي كل فصيلة من فصائل الآلات الموسيقيّة في وقتها السليم . و هو قد يكون رئيس المجموعة، إذا ما توفّرت فيه القدرة التنظيمية، و يكون مسئولا عن تلخيص ما جرى طرحه من أفكار، و تحديد الاستخلاصات، و عن تتابع وضع القبّعات أثناء الاجتماع
و فيما يلي ننظر في المكاسب التي تحقّقها القبّعات الستّ، كأداة ابتكارية قويّة

ليست هناك تعليقات: