الثلاثاء، أكتوبر ٠٢، ٢٠٠٧

عندما يصبح الابتكار ممارسة شعبية

الإبتكار و صورة المستقبل


عندما نسمع كلمة " الإبتكار "، تنصرف أذهاننا إلى إبتكار الفنانين و الأدباء و المخترعين ..إلاّ أن المعنى المعاصر للإبتكار، نتيجة لدخولنا إلى عصر المعلومات، يجعل منه ضرورة لكل من يعمل، ويخرجه من الدائرة الضيّقة لبعض صانعي القرار، ليصبح ممارسة شعبية . و في مجال النشاط الإقتصادي، أصبح الشعار السائد: إبتكر أو إنتحر
لكي نفهم الطبيعة الجديدة لعملية الإبتكار، لابد من طرح بعض الأساسيات
نحن نمضي إلى شكل جديد للحياة، يختلف عمّا عرفناه على مدى القرنين الماضيين لعصر الصناعة، وعن واقع عصر الزراعة الذي إمتدّ لحوالي عشرة آلاف سنة
التعامل مع التغيّرات الحالية، و مع المجتمع الجديد الذي تقود إليه، لا يجدي فيه الإعتماد على الأفكار أو الخبرات أو النظريات أو العقائد و الأيديولوجيات التي نبعت من عصر الصناعة أو الزراعة
السلاح الوحيد المتاح، إزاء هذا المأزق، هو الإعتماد على الجهد الإبتكاري، في تجويد الواقع وحل المشكلات و اغتنام الفرصة و دعم القيمة و التفكير في البدائل المستقبلية

الإبتكار..كممارسة شعبية

كان الإبتكار دائما من اختصاص الصفوة أو النخبة المتميّزة، و لم تكن القواعد العريضة من العاملين في حاجة إلى الإبتكار في عملها اليومي . و مرجع ذلك إلى أن طبيعة السواد الأعظم من العمل ، خلال عصري الزراعة و الصناعة، كانت روتينية عضلية متكرّرة، لا تحتاج إلى إعمال العقل أو الإبتكار
التطوّرات التكنولوجية الحالية، و بخاصّة في مجال الإلكترونيات، و الإعتماد في العمل على الكمبيوتر و الإنسان الآلي(الروبوت)، تسحب من مجال العمل في المزرعة و المصنع و المكتب، كلّ ما هو روتيني وعضلي .. ممّا أوصلنا إلى سيادة العمل العقلي
العامل في مجتمع المعلومات، عامل عقلي، يتصدّى كلّ يوم لحل المشاكل المتّصلة بعمله . و لهذا، يجب أن يكون قادرا على تحديد المشكلة، و التفكير في بدائل حلول لها، و اختيار الحلّ الأنسب والأفضل، ثم تطبيقه و متابعة نتائجه . و هذا كلّه يتطلّب توجّها إبتكاريا . لذلك يصبح الإبتكار ممارسة شعبية عامّة
الفرق بين الذكاء و الإبتكار

من بين الأوهام الشائعة، أن الإبتكار حكر على أصحاب الذكاء المرتفع . و لذلك يعفي أصحاب معامل الذكاء المنخفض أو العادي أنفسهم من محاولة بذل أي جهد إبتكاري
و حقيقة الأمر، أنّه لا يوجد إرتباط طردي بين الذكاء و القدرة على ممارسة التفكير الإبتكاري . بل أن أصحاب معاملات الذكاء المرتفعة يميلون، بحكم ذكائهم، إلى عدم التأمّل أو التخمين . الذكاء، إمكانية من إمكانيات العقل البشري، تعتمد على نشاط بعض الأنزيمات، التي تسمح بردود فعل عقلية أسرع، ومن ثمّ بمعدّل أسرع في الرصد . و العلاقة بين الذكاء و الإبتكار، كالعلاقة بين السيّارة و قائدها ... السيّارة الجيّدة، تفقد تميّزها مع السائق غير المدرّب
مهارة التفكير الإبتكاري، تعتبر جانباً من مهارات التفكير، تحتاج من الفرد أن يتعلّمها، , أن يتعمّد تطبيقها
المخ البشري غير مبتكر بطبيعته
و قد يساعدنا على فهم هذا، أن نتعرّف على طبيعة عمل المخّ، كنظام معلوماتي ذاتيّ الترتيب . فالمخّ مصمّم على أساس إقامة نماذج و أنماط للعالم المحيط به، و هو يلتزم بعد ذلك بهذه النماذج و الأنماط.. هكذا يتمّ الإدراك عادة عند البشر . و لو أن الأمر قد سار على غير ذلك، لأصبحت الحياة مستحيلة . المخّ البشري يستهدف جعلنا قادرين على البقاء، و على مواجهة الحياة في كلّ لحظة، لكنّه لا يستهدف جعلنا من الإبتكاريين
و من هنا تجيئ أهمّية التدرّب على ممارسة الإبتكار، و أهمّية التدرّب على الإبتكار، و على فهم الآليات المختلفة التي تساعد على الإبتكار
عشوائية العصف الذهني

و مادام العقل البشري ليس إبتكاريا بطبيعته، نضطّر إلى البحث عن آليّات أو حيل، للفكاك من التخطيط التقليدي المحفور في المخّ . و من بين الآليّات الشائعة "العصف الذهني"، و الذي يعتمد على إطلاق سيل من الأفكار غير المألوفة، و ربّما المجنونة، على أمل ان تصيب إحداها هدفا نافعا
إلاّ أن الذي يحدث في مجال الإبتكار يختلف عن هذا تماما . و بعكس العصف الذهني الذي يفتقد ما يجب أن يتحقّق من قصد و تعمّد، يتيح التفكير الإبتكاري للفرد أن يتعمّد الخروج عن المسالك و الدروب التقليدية في عقله، من أجل إكتشاف مسالك جديدة،تنفع في التعامل مع الواقع الجديد
التجويد..و البحث عن السبل الأفضل

ما هي الإستخدامات الأساسية للتفكير الإبتكاري في حياتنا ؟
دكتور إدوارد دي بونو، أحد أهم خبراء التفكير الإبتكاري، يتحدّث عن أربع فوائد أساسية هي: التجويد، و حلّ المشاكل، و إضافة قيمة أو الإنتفاع بفرصة، و التصدّي للأوضاع المستقبلية المختلفة
التجويد، يعني الوصول إلى طرق "أفضل" في أداء الأشياء. و لكن ماذا نعني بكلمة "أفضل" هذه؟ كلمة "أفضل" هذه، قد تعني إنجاز الشيئ بتكلفة أقلّ و في وقت أقصر . و قد تعني-من ناحية أخرى-أن ننجز الشيئ بأخطاء أقل، أو باستهلاك أقل في الطاقة، أو بتلويث أقل للبيئة . كما أن كلمة"أفضل" قد تعني السعي إلى طرق أكثر قبولا و إنسانية في العمل.. و أيضا قد تعني الأقل في استخدام الخامات، و في إنتاج العوادم
و التجويد، يشيع إرتباطه بالسعي إلى التخلّص من الأخطاء، أو التغلّب على المشاكل . و هذه هي الرؤية السلبية للتجويد، قد نبدأ بها، ولكن لا يجب أن نقتصر عليها . الفهم الأوسع للتجويد، يتضمّن النظر إلى الشيئ أو الإجراء أو المنهج، حتّى عندما يبدو كاملاً، بافتراض إحتمال وجود طريقة أفضل للأداء
المشكلة و الصداع
المشكلة، أشبه ما تكون بالصداع .. تعرف أنّه موجود معرفة يقينية، لكنك لا تستطيع أن تضع يدك على سببه، من بين الأسباب العديدة للصداع
و حل المشاكل، كان دائما من المجالات التقليدية لاستخدام التفكير الإبتكاري، لأنه إذا لم يكن التناول القياسي المعمول به قادر على توفير الحلّ، تنشأ الحاجة إلى الإعتماد على التفكير الإبتكاري . و من الأمور الهامّة في هذا الصدد"تعريف المشكلة" .. أن نسأل أنفسنا"ما هي حقيقة المشكلة هنا؟" . و الأفضل في هذا المجال هو السعي إلى طرح بدائل عديدة لتعريف المشكلة، بعضها عريض و بعضها
تجنّب المشاكل:يعتبر خطوة متقدمة بالنسبة لحلّ المشاكل . و هذا يقتضي إحداث التغييرات في
النظام السائد، بما يمنع قيام المشاكل أصلاً
إضافة القيمة، والإنتفاع بالفرصة، يتوقّف نجاح الشركة أو المؤسسة، مع تصاعد المنافسة،على ما
يمكن أن تقوم به إعتماداً على أصولها الجوهرية، سواء كانت وضعها في السوق، أو ما تضمّه من أفراد مؤهّلين، أو نظمها الخاصّة في التسويق، أومعارفها التكنولوجية، أو سمعة إنتاجها ..إلى آخر ذلك
و هنا، تظهر الفائدة الثالثة في إستخدامات التفكير الإبتكاري، و هي إضافة قيمة، أو استحداث قيمة جديدة، أو الإنتفاع بفرصة متاحة
في السابق، كانت الكفاءة و القدرة على حل المشاكل كافيتان . أمّا الآن، فقد أصبحتا توفران الحد الأدنى فقط . تساؤلات اليوم تمضي إلى : ماهي المنتجات و الخدمات الجديدة التي يمكن تقديمها؟، أين يمكن أن نتوجّه بمنتجاتنا و خدماتنا؟، كيف يمكن أن نحقّق قيمة مضافة؟، ما هي الأسواق الجديدة التي يمكن أن تضاعف الطلب على إنتاجنا و خدماتنا ؟ بدلا من تقليد الآخرين، أو السعي إلى الإستيلاء على الشركات الإبتكارية، نسأل أنفسنا : لماذا ننتظر أن يقوم الآخرون، بما كان من الممكن أن نقوم به قبلهم
***
الإبتكار تشتد الحاجة إليه عند إستشراف المستقبل . فنحن نستطيع أن نحصل على بيانات كاملة عن الماضي أو الحاضر، لكن من المستحيل أن نصل إلى بيانات كاملة عن المستقبل . كيف يمكن إذاً أن نرسم صورة المستقبل ؟ ممارسة التفكير الأبتكاري هي وسيلتنا إلى ذلك
بإمكاننا أن نصل إلى جانب من صورة المستقبل، عن طريق دراسة المؤشرات الأساسية للتغيير حالياً، كما يمكننا أن نصل إلى بعض التخمينات المتباينة، و أحيانا المتناقضة، ثم نحاول تهذيبها و صقلها، على صورة سيناريوهات مستقبلية . لكن هذا كلّه يعتمد على التحليل النابع من الحاضر، و بافتراض أن المنظور المنهجي للغد، هو نفس الذي بين أيدينا . لكن الإعتماد على التوجه الإبتكاري، و استخدام آلياته المختلفة بشكل متعمّد و مقصود، هو الذي يفيدنا في هذا المقام
و إلى رسالة قادمة..راجي عنايت

ليست هناك تعليقات: